معظم المرافق الحكومية التي قمنا بزيارتها منذ تسلم الحكومة الإنتقالية مقاليد الحكم، لم نشعر بأن تغييرا جذريا حدث بداخلها، فما زالت الإدارات تُدار بواسطة منسوبي النظام الساقط، وذات الممارسات السيئة والمنبوذة تمارس بداخلها، غابت ملامح الشهداء فيمن يجلسون خلف مكاتبها، ولا أثر لرائحة ثوار بداخلها ولا إحساس بأن ثورة عظيمة (مرت من هنا).
شيء ما يدور في الأفق السياسي، ولعل من الأسباب ما يجعله أمرا غير حميد هو التمدد الكبير والمتنامي والمزعج لمنسوبي النظام البائد، حيث وضح بالدلائل أنه أفاق من صدمة ابريل وبدأ في ترتيب صفوفه للعودة في ثوب جديد، والدليل على ذلك ما يحدث داخل الهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس وداخل ديوان الضرائب، والصفعة القاسية التي تلقاها ثوار تلك المؤسسات وغيرها من وزير شئون مجلس الوزراء (عمر مانيس)، بعد أن كثرت الشكاوى من ممارساته وموالاته الواضحة لمنسوبي النظام البائد، وتصعيد ثوار المواصفات الذي بدأ منذ اليوم خير دليل بعد فشل لجنة إزالة التمكين في إنصافهم أو الإمساك بأي ملف من ملفات الفساد التي إستلمها مانيس بنفسه ولم تر النور حتى الآن، وسنعود لهذا الملف بالتفصيل لاحقا.
واهم من ظنَ أن جماعة الإسلام السياسي إستسلمت للهزيمة المرة التي أذاقها إياها الشعب، ويظهر بوضوح سعيها الدؤوب لضرب الثورة بتفتيت النسيج الإجتماعي من خلال إفتعال أزمات اقتصادية وسياسية وقبيلة تم التخطيط لها بدقة، وإضرام نار العنصرية مرة اخرى وبقوة بعد أن أخذت في التلاشي عقب إسقاط نظامهم المشؤوم.
لم تنج من ممارساتهم المواصلات العامة ولا الخاصة، ظلوا يتلاعبون بتعريفة العام منها يوما بعد آخر مستفيدين من عدم وجود الرقابة، بينما التطبيقات الأخرى للمواصلات باتت مصدر رزق لتماسيح النقل والمواصلات القابعين خلف الكواليس يديرون في الأزمات كيفما شاء لهم.
ممارسات الجيش والشرطة لم تتغير، ولا سلوكيات بعض منسوبيها، حتى بات شعارها (لساها ما سقطت). بينما الأمن يبدو في وضعية الصامت ولكنه في حقيقة الأمر لا زال يقوم بذات أدواره السابقة عدا (إعتقال النشطاء فقط)، ولم نسمع بناشط واحد أو ثائر أو احد شباب المقاومة إلتحق بجهاز المخابرات في ثوبه الجديد كما رددت حكومة الفترة الإنتقالية في بداية عهدها. ما يعني ان العسكر هم المسيطرون فعليا على الدولة مهما كابر المكابرون.
الوزير مدني عباس مدني الذي دافعنا عنه بداية، نراه عاجزا تماما عن الإلتزام بوعده تجاه الثورة حتى الآن حتى قلنا ليته إكتفى بعضوية تجمع المهنيين، ولم يدخل شرك الوزارة، بعد أن أعاقت ممارسات أفراد نظام المخلوع بوزارته ضبط الأسعار بالاسواق والرقابة عليها بحسب قوله.
الرضيع في بطن أمه يعلم ذلك الحديث العبقري من الوزير، ولكنا توقعنا ان يقول ذلك منذ تسلمه مهامه وليس بعد أكثر من 9 اشهر، الشعب جاع وطنَ وأنَ ولكنه صمت، وصمته يعود لصبره وثقته في حكومته ومن يقف خلفها، ولكنه لم يتوقع مثل هذا التصريح الساذج في هذا الوقت، وبعد أن وصلت الروح إلى الحلقوم.
ما يحدث حاليا ما لم يتم تداركه فورا وبشكل منضبط، فحتما هو السقوط إلى الهاوية مرة أخرى. على الحكومة المدنية وقوى الحرية والتغيير أن تفتح آذانها جيدا لمن يقول لها الحقيقة المرَة والمجردة، فالشعب ينتظر من الحكومة أن تعلن الحرب على جميع من أجرم في حقه وليس التساهل معه وتسليمه رقاب المواطنين.
صحيفة الجريدة