الانتباهة اون لاين موقع اخباري شامل
من أكبر هموم القيادة المصرية لحماية امنها القومي, الا يتقدم السودان وينمو ويستغل موارده المائية في استثمارات زراعية تستوعب حصته من المياه الحالية ونسبته من حصاد المياه مستقبلاً من قنوات (جونقلي وبحر العرب وقناة مشار) والتي يزيد انتاجها على عشرة مليارات متر مكعب من المياه في العام، حصة السودان منها 50%.
انهم لا يريدون للسودان خيراً، وهم يعلمون ان الخير يأتيهم من السودان ومرتبط به ولا فكاك لهم منه وامنهم القومي يبدأ من السودان.
من المفهوم الاستراتيجي العسكري ان لكل دولة عدواً محتملاً او اكثر قد يهدد امنها القومي وبقاءها وحياة شعبها.
وعلى ضوء ذلك يتم تحديد الاتجاه الاستراتيجي الذي من خلاله يأتي ذلك التهديد، وعليه تتم دراسة كل ما يتعلق بذلك الاتجاه استراتيجياً وتعبوياً وفنياً وتكتيكياً، يشمل الأرض، ومحاور التهديد ونوع التهديد وقدرات الجهة التي قد تقوم بالتهديد. ثم يتم تقدير الاحتياجات اللوجستية واعداد الاتجاه المعني من ناحية مسرح عمليات محتمل. (الحديث في هذا الشأن كبير قصدت اختصاره على هذا النحو لاعطاء فكرة مختصرة للقارئ).
في عام 1984م بعد مؤتمر دنقلا التنموي الزراعي، كان لا بد من قيام سد مروي المكتملة دراساته لتحقيق نهضة زراعية وتوفير طاقة نظيفة من الكهرباء لاحتياجات تلك التنمية. الشاهد ان الرئيس نميري وفي صحبته ابو المياه وزير الري وقتها صغيرون يتأبط ملف سد مروي بدراساته، ووفد رفيع في صحبة الرئيس بدأت رحلة البحث عن تمويل لتشييد سد مروي. بدأت الرحلة بالصين ومازلت اذكر الحوار الشفاف في قاعة الصين الكبرى بين الرئيس نميري والرئيس الصيني الذي برر اعتذاره عن توفير تمويل للسد، رحلة الرئيس نميري شملت فرنسا وايطاليا والفاو وامريكا وانجلترا، واتصالات مستمرة مع دول الخليج، ولم يتحصل الرئيس على موافقة اية دولة من تلك الدول لتمويل مشروع السد.
في نهاية الامر ومن خلال تقارير دقيقة جداً ومهنية اعدها جهاز الامن اتضح ان اجهزة الامن المصرية مع عمل استخباراتي كبير كانت تقوم به في تلك الدول ضد الموافقة على تمويل سد مروي بحجج واهية وكذوبة.
كنت استغرب لما تقوم به (الشقيقة مصر) ضد مصالح السودان، وما هي الاسباب التي تجعلهم يقومون بكل ذلك والسودان لديه وفرة من حصته عن مياه النيل، وان السد سيقام في ارضه؟ وهل نسى الاشقاء ان بحيرة السد العالي غطت مساحات كبيرة من الاراضي السودانية؟
اذن لماذا يحاربون عملاً فيه خير وتقدم للسودان؟!
في عام 1991م ونحن مجموعة من الضباط السودانيين من تخصصات مختلفة في رتبة العميد الركن، كنا في دورة الحرب العليا باكاديمية ناصر العسكرية العليا. ومن ضمن الدراسات موضوع حرب المياه، ومهددات الأمن القومي، وكيفية الوصول إلى المهدد الرئيس، والاتجاه الاستراتيجي الأكثر تهديداً والذي يأتي منه العدو المحتمل The Potential Enemy
بدأت كثير من الحقائق تتكشف لنا من تلك الدراسات عن نظرة الشقيقة مصر للسودان.
اختار احد الدارسين وهو ضابط من تونس اختار في اطار حرب المياه البحث في مستقبل مياه النيل والاتفاقية التي حددت قسمة ايرادات مياه النيل.
خلصت الدراسة الى العديد من المخاطر التي تهدد السد العالي مستقبلاً والظلم في قسمة ايرادات النيل، وكان موضوع بحثه دقيقاً شاملاً واستفاد من مساعدة مجموعة الضباط السودانيين الدارسين معه.
الشاهد ان من عرض ذلك البحث ونقاشه بصورة شفافة ومفتوحة للدراسين من مصريين وغيرهم خرجت الدراسة بنقاط في غاية الأهمية نلخصها في الآتي:
* حصة مياه النيل لمصر بالرغم من حجمها الكبير (يا داب) تكفي حاجة البلاد، فما العمل مستقبلاً؟
* بالرغم من حصة السودان الضعيفة والتي لم يستغلها حتى الآن، سيأتي الوقت الذي يستخدم حصته وستظهر له الحاجة لمياه أكثر، فما العمل؟
* حتى لا يحدث صراع المياه لا بد من وضع خطة مبكرة لحصاد المياه لمصلحة مصر والسودان.
* السد العالي أصبحت سعته التخزينية ضعيفة بسبب الإطماء، ولا بد من سد أو سدود تشيد في السودان لمصلحة مصر والسودان، ولتساعد على مرحلة التخزين في السد العالي.
* مخاطر ثقل الطمي على قاعدة السد العالي من احتمالاتها حدوث هزات أرضية وقد يؤدي ذلك لتصدع السد، وفي ذلك تهديد مباشر وكبير للأمن القومي المصري.
هذه بعض النقاط الرئيسة من ضمن توصيات شملها البحث.
ومن النقاش تلاحظ أن عدداً من الدارسين المصريين يعارضون فكرة قيام سدود في السودان، إذ أن ذلك سيبدد حصة مصر ويفتح مجالات استثمار لدى السودان تضر بتدفقات المياه.
وبعضهم يرى ان قيام سد مساعد للسد العالي في الأراضي السودانية اصبح الآن في منتهى الأهمية، ولا سبب لمعارضته والفوائد منه ستكون كبيرة على ضوء ما جاء في البحث.
ومن هنا كان واضحاً اسباب معارضة مصر لقيام سد مروي في السابق ولماذا وافقت على قيامه بعد ذلك!
مما رأيناه في خرائط كلية الدفاع الوطني في اكاديمية ناصر العسكرية وما عاصرناه من دراسات ونقاشات في كلية الحرب بالأكاديمية، اتضح لنا الكثير من الأمور من وجهة نظر القادة والمفكرين العسكريين المصريين في ما يتعلق بالعدو المحتمل لمصر وأهم التهديدات للأمن القومي، ودور المياه في ذلك، وكيفية العمل لمجابهة ذلك؟
وسأتناول في مقالي القادم بإذن الله من وجهة نظري ومما نعيشه اليوم من واقع مع الجارة مصر، تحليلاً لما جاء أعلاه.
The post السودان: الفريق الركن إبراهيم الرشيد يكتب: إنهم لا يريدون للسودان خيراً (1) appeared first on الانتباهة أون لاين.