زمان؛ في انتخابات 2010 الشهيرة التي شاركت فيها كل القوى السياسية قبل أن تنسحب تباعا احتجاجا على التلاعب بالعملية الانتخابية، زرنا السيد محمد عثمان الميرغني في “جنينة السيد الميرغني بالخرطوم”.. سألتُ مولانا فقلت له (هل سترشح نفسك رئيسا للجمهورية) فاجأني بإجابة لم أكن أتوقعها قال لي ( وهل في رأيك هناك منصب رئيس جمهورية شاغر؟؟) ثم أطلق ضحكة مجلجلة وأكمل الجملة بسخرية وهو يضحك (أنا ما قلتش حاجة!).
اجابته كانت ذكية للغاية وثبت مع الأيام بُعد نظرته، فهو يريد أن يقول أن منصب رئيس الجمهورية في عهد المخلوع البشير غير قابل للتداول، فهو منصب (غير شاغر) ولن يشغر طالما البشير ممسك بالسلطة. بما يعني أن مولانا كان يدرك أن انتخابات الرئاسة مجرد عبث لا طائل منه، و لهذا فوض شخصا آخر غيره ليتسلى باللعبة الانتخابية.
لكن؛ الآن في السودان لدينا منصب شاغر، بالطبع ليس منصب رئيس سيادة ولا وزراء فهما مشغولان تماما، لكن لدينا منصب “رئيس الحزب الحاكم” شاغر!! سأشرح لكم!
تحالف قوى الحرية والتغيير نجح بامتياز في ادارة الحراك الجماهيري منذ اندلاع ثورة ديسمبر حتى الاطاحة بالنظام المخلوع فجر الخميس 11 أبريل 2019، ولكنه بعد ذلك تنكب الطرق في مرحلة الانتقال من الثورة إلى الدولة.
يعود السبب الرئيسي (ضمن أسباب أخرى) لهشاشة التحالف تنظيميا، فهو يحتشد بلافتات تقترب من مائة متباينة شكلا وفكرا، وبدلا من تطوير التحالف بهياكل تنظيمية تضخ فيه فعالية العمل المؤسسي، لجأ التحالف للاختباء خلف عبارة (القيادة الأفقية) وهي تعني “لا قيادة”.
لماذا لا يتولى الدكتور عبدالله حمدوك رئاسة قوى الحرية والتغيير؟ فهو منصب علاوة على أنه (شاغر!) مهم بل حتمي لتقوية الحكم الانتقالي.
بالتوصيف الرسمي تصنف قوى الحرية والتغيير بأنها (الحاضنة السياسية) للحكومة، وهي عبارة ليست دقيقة ،فالمقصود أنها (الحزب الحاكم).
والحزب الحاكم بالضرورة يجب أن يكون زعيمه رأسا للدولة، كما هو الحال في بريطانيا وفرنسا وتركيا والهند ومصر وأثيوبيا وجنوب أفريقيا وحتى اسرائيل.
من الصعوبة بمكان أن يقود الدكتور حمدوك دفة الدولة بينما يقبع تحت لافتة ” حكومة تكنوقراط” (مقطوعين من شجرة) بينما يقف في الضفة الأخرى الحزب الحاكم ،قوى الحرية والتغيير، كأني به أشبه بجسم منفصل رغم أنه هو الذي اختار الحكومة بل والمكون المدني في مجلس السيادة.
وفي تقديري؛ حمدوك لا يحتاج تقديم طلب لقوى الحرية والتغيير ليصبح رأسها، فهو أتى من تفويض شعبي كاسح وأصبح رمزا للثورة عند رجل الشارع العادي، فكل المطلوب من حمدوك أن يقتنع هو أولا بأنه لم يأت عبر تعديل وزاري بل جاء من رحم الثورة والثوار فيتوجه لهم مباشرة ويصبح خط اتصاله المباشر مع القواعد عبر البرامج التنموية التي يعلنها ويتبنها في ما أسماه هو (دولة التنمية الديموقراطية)..
اذا تولى حمدوك رئاسة الحرية والتغير فإنه يلبي معظم الشروط التي وضعتها بعض القوى السياسية مثل حزب الأمة القومي والمؤتمر السوداني والبعث في ضرورة هيكلة التحالف الحاكم.
صحيفة التيار