السودان اليوم:
(1 )
لا أظن أن كاتباً في الدنيا صحفياً كان أم غيره لديه القدرة والاستعداد على أن يكتب في كل الأوقات وتحت كل الظروف فالمشكلة لن تكون في المادة التي توحي بالكتابة فهذه على قفا من يشيل وستظل موجودة طالما أن الحياة مستمرة ولكن المشكلة ستكون في الظرف الذاتي فالكتابة مثلها مثل أي حرفة تتابى وتتجبر وتستعصي وتتدحش وتحرن وتقف دت على محترفها فكما يقول أحد أصدقائنا الحكاية كلها نفسيات فالنفس عندما تنقفل وتنسد لن تنفتح إلا بزوال المؤثر وهذا المؤثر قد يكون ملموساً محسوساً وقد يكون غير ذلك ولكنه في النهاية جدل بين الذات والموضوع.
(2 )
بعد إذن القارئ الكريم أقول فيما يليني شخصياً كثيراً ما تستعصي عليّ الكتابة ولعوامل متداخلة تجمع بين الذاتي والموضوعي وساعتها أهرب من الكيبورد ولا أطيق النظر إليه ولعل هذا ماحدث لي في بداية الشهر الفضيل الذي انصرم قبل أيام فرغم إلحاح الإخوة في إدارة تحرير هذه الصحيفة الغراء إلا أن الأمر استعصى عليّ علماً بأنني كنت معتاداً في رمضان أن أغير أسلوب كتاباتي وأتناول أموراً متنوعة تقع في باب النواعم soft بعيداً عن السياسة والاقتصاد وكل هذة العوالم الخشنة ويشهد على ذلك الأخ الأستاذ ضياء الدين إذ إن له رأي إيجابي فيما كنت أكتبه في رمضان شهر الصفاء والنقاء النفسي ولكن هذه المرة حرن الكيبورد.
(3 )
منذ بداية الشهر الفضيل حدثت عدة وفيات لشخصيات حبيبة إلى نفسي لها إسهامات قومية ومحلية أي يمكن وصفها بأنها لم تكن دأب نفسها فأحدثت أثراً في نفسي فارجعتني إلى الكيبورد، فتناولت خمس شخصيات منها بإسهاب يتجاوز الألف كلمة للشخصية الواحدة، وقد وقف قراء هذا الباب على هذا وأثناء نشر هذة المواضيع توالت الفواجع فرصدت خمسة أسماء أخرى لراحلين للكتابة عن مآثرهم . أصدقكم القول أن هذا الأمر قد أفزعني وأخافني لحد الخوف فمداد الموت ليس مثله مداد . فحرن الكيبورد مرة أخرى ثم انهمرت الوفيات شخصيات عامة وأقارب وأصدقاء الأمر الذي عاشه الجميع موت على المستوى المحلي وموت على المستوى القومي وتفتح التلفزيون لترى الموت في كل الدنيا موت موت موت في مكان لا حول ولاقوة إلا بالله العلي العظيم.
(4 )
اللهم إن هذا قضاؤك وقدرك ولا راد لمشيئتك ولكننا نسألك اللطف بنا فاللهم ارحم موتانا وكل موتى الإنسانية وعافي مبتلانا واجعل البركة فيمن بقى من عبادك اللهم اجعل لنا فيما حدث درساً وعبرة . اللهم إنك تعلم أن بلادنا هذه قبل الجوائح الأخيرة لم تكن في حالة طيبة بل كانت لها ضوائقها وجوائحها الخاصة فجاءت هذه الجائحة العالمية لتزيد الأمر ضغثاً على إبالة فاللهم اجعل لنا فيما حدث غسيلا ونظافة وطهراً , اللهم هيئ أرضنا هذه لغرس جديد ونبت جديد ذي ظل وارف وممتد ومختلف عما كان سائداً من قبل.
(5 )
عمنا الصديق ود اللصم عليه رحمة الله كان رجلاً قومابيا وحداثيا في نفس الوقت عاصر جزءاً من الاستعمار وكل الحكومات الوطنية فكانت يرى البلاد كل يوم ترزل فوصل إلى قناعة راسخة يرددها في كل مجالسه بان هذه البلاد المسماة سودان لا خير يرجى من أهلها ولا يوجد أمل إلا (اذا جاء عيسى ومسحها ويقوموا فيها ناس جداد) فاللهم اجعل لنا فيما حدث مسحاً شاملاً بلغة عمنا الصديق ود اللصم واجعل فيمن بقى منا أناساً جدداً برؤية جديدة وروح جديدة من أجل سودان جديد … ياحنان يامنان ويا مجيب الدعوات وكل عام وأنتم بخير..
The post ومرة تغلبني الكتابة.. بقلم عبد اللطيف البوني appeared first on السودان اليوم.