كشفت مصادر مطلعة عن فضيحة فساد جديدة داخل حكومة ولاية كسلا، تتعلق بقيام مسؤولين بتوزيع مساحات واسعة من الأراضي العامة التي كانت مخصصة للنفع العام، وتحويلها إلى قطع استثمارية بطرق غير قانونية، في تحدٍ صريح للقوانين السودانية والقرارات الرئاسية السارية التي تحظر هذا النوع من التعدي على الميادين والفسحات العامة.
وبحسب إفادات قانونيين وعدد من أهالي حلفا الجديدة، تم تخصيص 58 قطعة من ميدان عام في المدينة لأغراض استثمارية، بالإضافة إلى 186 قطعة أخرى تم التصرف فيها تجاريًا بناءً على قرار ولائي صدر في العام 2024. هذا الإجراء شكل خرقًا صريحًا للأنظمة المنظمة لتخطيط واستعمالات الأراضي، وخاصة القرار الرئاسي رقم 130 الذي يمنع بشكل قاطع تغيير استخدام الميادين العامة أو التصرف فيها بأي شكل يخالف طبيعتها كمرافق مخصصة للمجتمع.
وثيقة رسمية مؤرخة بتاريخ 22 أغسطس 2024 أوضحت بجلاء أنه لم يصدر أي تفويض وزاري يجيز تغيير غرض الميدان من مرفق عام إلى استثمار خاص، مما يجعل كافة التصرفات اللاحقة باطلة قانونًا. ويؤكد ذلك أيضًا أمر وزاري صدر في 5 أغسطس 2024 نص بوضوح على وقف بيع هذه الأراضي استنادًا إلى القرار الرئاسي رقم 130/2024، مما يزيد من الشكوك حول وجود نية مبيتة لتجاوز القانون.
عملية التوزيع تمت باستخدام ما سُمّي بـ”البيع المباشر”، وهي وسيلة تحايلية لم يسمح بها القانون في مثل هذه الحالات. الإدارة القانونية بالولاية أكدت أن الإجراء مخالف للمادة 42/2 من قانون تنظيمات الأراضي، والتي تمنع التصرف في الميادين العامة عبر البيع المباشر أو التخصيص غير المبرر.
كما أشارت مذكرة رسمية صادرة عن لجنة مراجعة الأراضي إلى توصيات واضحة تقضي بعدم المساس بالميادين، وهي التوصيات التي تم تجاهلها بشكل فاضح.
تداعيات القضية بدأت تظهر قانونيًا، حيث تم قبول طلب الحجر على القطعة رقم 50 في مربع 5 بحلفا الجديدة من قبل السجل العام للأراضي بتاريخ 25 يوليو 2023، ما يمثل مؤشرًا واضحًا على وجود طعن قانوني جدي في شرعية التصرفات التي تمت، واعترافًا ضمنيًا من الجهات المختصة بوجود مخالفة تستدعي التجميد والمراجعة.
الغضب الشعبي في حلفا الجديدة تصاعد بشكل ملحوظ، حيث تقدم العديد من المواطنين بشكاوى رسمية ضد المتورطين مطالبين بإلغاء التخصيصات وإجراء تحقيق نزيه وشفاف. السكان اعتبروا أن تحويل الميادين إلى مشاريع استثمارية هو اعتداء مباشر على حقوق المجتمع، خاصة أن هذه المرافق شكلت لسنوات طويلة متنفسًا مهمًا للأنشطة الرياضية والثقافية والوطنية، وكان لها دور محوري في الحياة العامة.
الشارع المحلي بات يتساءل عن غياب الرقابة الحكومية وصمت الأجهزة المختصة، كما يتساءل الكثيرون عن موقف والي كسلا من هذه التجاوزات الواضحة، مطالبين بإجراء مراجعة شاملة للملف من قبل جهات محايدة، وإعلان نتائج التحقيق للرأي العام، حتى لا تمر القضية كما مرّت قضايا مشابهة دون محاسبة حقيقية، في وقت تتزايد فيه المطالبات بتعزيز الشفافية والمساءلة في مؤسسات الحكم المحلي.