إعلان هواتف يتحول إلى شعار نصر في قلب العاصمة
الخرطوم ـ الراي السوداني
في مدينة أنهكتها الحرب، وعلى شارع كان حتى وقت قريب مسرحًا للرصاص لا للإعلانات، لفتت أنظار السودانيين لافتة إعلانية ضخمة نصبت في شارع المطار بالخرطوم لصالح شركة الهواتف الذكية هونر.
عبارة الإعلان المختصرة والجريئة “هونر في الخرطوم.. إنتو وين؟” تجاوزت بعدها التجاري لتتحول بسرعة إلى مادة دسمة على منصات التواصل الاجتماعي، وتُقرأ كرسالة رمزية تختصر لحظة فارقة في مشهد العاصمة المتحوّل، عقب استعادة الجيش السوداني السيطرة على العاصمة بعد معارك دامية ضد قوات الدعم السريع.
إعلان يتحول إلى رسالة
اللافتة في ظاهرها جزء من حملة تسويقية لعلامة تجارية صينية، لكن السودانيين لم يقرأوها بهذا الشكل. فالزمان والمكان منحا الإعلان بعدًا سياسيًا غير مباشر.
جاءت العبارة المتزامنة مع إعلان الجيش السيطرة على الخرطوم لتُقرأ كأنها سؤال ساخر موجه لقوات الدعم السريع التي انسحبت من المطار وهربت من العاصمة.
منصات مثل فيسبوك وإكس امتلأت بتعليقات تشيد باللافتة وتسخر من توقيتها:
حتى هونر رجعت الخرطوم
إعلان أقوى من وزارة الإعلام
الخرطوم بتقوم.. خطوة خطوة
هونر: ضيف من الشرق
شركة هونر هي علامة تجارية صينية تأسست في 2013 كشركة تابعة لهواوي قبل أن تنفصل عنها عام 2020 لتشق طريقها كمصنّع مستقل للهواتف الذكية.
تميزت هونر بمنتجاتها الموجهة لفئة الشباب، وقد توسعت مؤخرًا في الأسواق الأفريقية والعربية، ومنها السودان، الذي يبدو أن الشركة تراهن عليه كمركز نمو مستقبلي رغم الحرب.
بين الركام.. عودة رمزية
رؤية إعلان تجاري بهذا الحجم وسط الخرطوم، بعد أكثر من عامين على اندلاع الحرب، منح كثيرين الأمل بأن الحياة يمكن أن تعود تدريجيًا، ولو من خلال لافتة إعلانية.
شارع المطار الذي شهد أشرس المعارك بين الجيش والدعم السريع بات الآن مسرحًا لرسائل تجارية وشبه سياسية. العودة الرمزية للأنشطة المدنية والتجارية تعني أكثر من مجرد إعلان، بل تحمل رسالة ضمنية: الخرطوم لا تزال حية.
الخرطوم تنهض على استحياء
الإعلان لا يغيّر الواقع الميداني وحده، لكنه يعكس تحوّلًا في المزاج العام، ورغبة دفينة في استعادة الإحساس الطبيعي بالحياة.
العبارة أصبحت شعارًا متداولًا في الأحياء، وعلى الجدران، وفي قلوب النازحين الذين يحلمون بالعودة. ليست فقط هونر من عادت للخرطوم، بل فكرة الخرطوم نفسها بدأت تتنفس من جديد.
سؤال مفتوح على الوطن
في بلد تداخلت فيه الحرب مع الدعاية، والسياسة مع اليومي، تصبح مثل هذه المشاهد رمزية بامتياز. قد لا يكون الإعلان صرخة سياسية، لكنه بالتأكيد تلويحة لعودة الحياة.
إذا كانت هونر في الخرطوم، فهل حان وقت عودة السودانيين أيضًا؟ وهل ما زال هناك ما يمكن إنقاذه؟
ربما لا تكون الإجابة لدى شركة هواتف، لكن مجرد بقاء الإعلان صامدًا وسط الركام قد يكون دليلًا كافيًا على أن الخرطوم، رغم الجراح، قادرة على النهوض.