اخبار السودانتقارير وحوارات

الخرطوم بين فوضى “9 طويلة” وعجز الدولة.. أمن العاصمة على المحك!

الخرطوم بين فوضى “9 طويلة” وعجز الدولة.. أمن العاصمة على المحك!

الراي السوداني – بهاء الدين عيسى

تشهد مدينة أم درمان تصاعدًا مقلقًا في جرائم القتل والسطو المسلح، وسط تمدد عصابات “9 طويلة” في الأحياء السكنية، مستغلة حالة الانهيار الأمني في العاصمة السودانية، رغم إعلان الجيش “تحرير الخرطوم”!
رصاصة على عتبة الباب!

في يوم عاشوراء، جلس الشاب حامد نبيل أمام منزل أسرته بحي الحتانة بعد الإفطار، متأهبًا للوضوء وصلاة المغرب. لم تمضِ لحظات حتى توقفت أمامه دراجة نارية يستقلها ثلاثة مسلحين يرتدون زيًا عسكريًا!

بحسب روايات أسرته، حاولوا نهب هاتفه، وحين أبدى مقاومة، أُطلقت عليه رصاصة استقرت في بطنه، ليسقط شهيدًا أمام دهشة ذويه! استلمت الأسرة جثمانه من مستشفى النو، وانطلقت به إلى بيت العزاء، تدعو له بالرحمة وتبكي قهر فقده!

وفاته فجّرت موجة غضب عارمة وأعادت المخاوف من تصاعد ظاهرة “9 طويلة”، التي تنشط في الأحياء الطرفية وتستخدم العنف المسلح لتنفيذ عملياتها!

الخرطوم “محٌررة”.. ولكن من يحمي الناس؟!
في مايو الماضي، أعلن الجيش السوداني استكمال السيطرة على الخرطوم، بعد طرد قوات الدعم السريع من آخر معاقلها في جنوب وغرب أم درمان، ضمن عملية عسكرية بدأت في سبتمبر 2024.

لكن الواقع الميداني يروي قصة مختلفة، حيث لا تزال فلول الدعم السريع وعصابات منفلتة تمارس العنف والنهب، مما يقوّض مزاعم استقرار الأوضاع!

كمين فجري في أمبدة!
فجر أحد الأيام، نصبت فرعية مباحث أمبدة كمينًا محكمًا استنادًا إلى معلومات عن تحركات مشبوهة في الحارة 30. وأثناء محاولة تنفيذ جريمة نهب ضد بائع لبن، انقضت القوة على ثلاثة مسلحين كانوا يستقلون دراجة نارية ويحملون بندقية كلاشنكوف ومسدسًا!

تم القبض عليهم متلبسين، وفتح بلاغات جنائية بحقهم، في رسالة مهمة مفادها أن الأمن، رغم ضعفه، لا يزال قادرًا على الرد في بعض المواقع!

أحياء تغرق في الرعب!
يقول شهود عيان لـ”الراي السوداني” إن عدة جرائم قتل ونهب وقعت في وضح النهار، باستخدام أسلحة نارية وبيضاء. ويؤكد مواطنون من غرب أمبدة أن العصابات باتت أكثر جرأة في ظل انعدام السيطرة الأمنية!

المواطنة (م. أ) تقول إن “ثلاثة أشخاص قُتلوا مؤخرًا في سرقات استهدفت هواتفهم، وإن منطقتها تعيش في حالة من الرعب بعد مغيب الشمس”! وتشير إلى أن “جسر عمر عطية” و”رأس الشيطان” أصبحا بؤرًا للمخدرات والسلاح!

وتضيف: “أصوات الرصاص تتكرر كل ليلة! ،كما أن الحارة 58 تحوّلت إلى مركز لتأجير البنادق وبيع المخدرات، بينما لا أحد يجرؤ على الخروج ليلًا”!

 

أجهزة أمنية مشلولة وارتكازات هشّة!
رغم إعلان السلطات عن حملات أمنية، إلا أن المواطنين يؤكدون أن الارتكازات غير ثابتة، وغالبًا ما يُطلق سراح الموقوفين! يقول الأهالي إن التوجيهات بإزالة البؤر الإجرامية لم تُنفذ فعليًا، ما فاقم انتشار الجرائم داخل المنازل!

وتُعرف “9 طويلة” بأنها مجموعات شبابية مسلحة، تنشط في المناطق المزدحمة، وتنفّذ عمليات نهب تستهدف الهواتف والمركبات والأموال تحت التهديد!

 

خلايا متنكرة بزي الجيش!
كشف مصدر أمني رفيع لـ” الراي السوداني” عن وجود خلايا متفلتة ترتدي زي الجيش السوداني وتنفذ عمليات نهب في العاصمة! وقال إن قوات “الطوف المشترك” التي تضم الجيش والشرطة والمخابرات، تمكنت من اعتقال المئات منهم!

وتوقع المصدر أن تتراجع معدلات الجريمة تدريجيًا، مؤكدًا أن الشرطة بدأت الانتشار مجددًا في الأحياء وتقوم بدورها القانوني، لكنه شدد على أهمية تعاون المواطنين للإبلاغ عن أي تحركات مشبوهة!

هل تنجح الشرطة في استعادة العاصمة؟!
أعلنت الشرطة السودانية أنها أوقفت نحو 200 من المتورطين في جرائم خلال أسبوع، واستعادت كميات من المسروقات! وأكد العميد فتح الرحمن التوم استقرارًا نسبيًا، مع استمرار الحملات لتأمين الأحياء التي استعادها الجيش!

 

اجتماعات ولجان.. ونتائج محدودة!
اجتمعت لجنة أمن ولاية الخرطوم برئاسة الوالي أحمد عثمان حمزة، بحضور وزير الداخلية وقيادات الشرطة، وناقشت تقارير الكردونات الأمنية، وحملات مكافحة الإجرام، وضبط المهربين، ومواجهة ظاهرة السكن العشوائي!

وأشادت اللجنة بدور الشرطة المجتمعية، وطرحت مقترحات لمعالجة التكدس أمام البنوك، وترحيل الأجانب، لكنها لم تُعلن عن إجراءات ميدانية واضحة لردع العصابات!

 

نداءات من الأحياء!
طالب سكان أحياء الثورة، وأمبدة، وأبو سعد، والفتيحاب، السلطات بالتدخل العاجل، مؤكدين أن الحياة باتت لا تطاق في ظل الخوف على النفس والأهل!

وحذر مراقبون من أن استمرار الانفلات قد يؤدي إلى انتقام أهلي وفوضى مفتوحة، ما لم تُفرض هيبة الدولة ويُستعاد الأمن في الشوارع!

 

بين الغدر والدعاء.. العاصمة تستغيث!
في مشهد يختصر المأساة، دفع حامد نبيل حياته ثمنًا لهاتف محمول! لم تقتله الحرب ولا القصف، بل رصاصة من لصٍ يرتدي الزي العسكري! ويظل صوته شاهدًا على عجز الدولة في حماية أبنائها!

ويبقى السؤال قائمًا: هل تنتصر الشرطة والمجتمع على “9 طويلة“، أم تبقى العاصمة تحت رحمة الرعب؟! الإجابة مرهونة بإرادة الدولة، ويقظة الناس!

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

بهاء  الدين عيسى

صحفي سوداني بارز، نال جائزة “أفضل إنجاز صحفي” ضمن مشروع كلمات سودانية من المؤسسة الفرنسية للتنمية، يُعرف بجرأته في التحقيقات الاستقصائية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى