متابعات – الراي السوداني – يصادف يوم الثلاثاء 15 أبريل 2025 مرور عامين على اندلاع الحرب في السودان بين القوات المسلحة ومليشيا الدعم السريع، وهي حرب دفعت بأكثر من 12.7 مليون شخص للنزوح من منازلهم.
وسط هذا الواقع القاسي، برز فريقا ريال مدريد وبرشلونة كأحد مصادر الأمل النادرة، في وقت تناقلت فيه وسائل الإعلام خبر انتقال كيليان مبابي من باريس سان جيرمان إلى العاصمة الإسبانية، حسب ما نشرته صحيفة “ماركا”.
السودانيون الباحثون عن الأمان يستخدمون الحدود الغربية طريقًا للهرب، فينزح الآلاف منهم إلى تشاد، إحدى أفقر دول العالم.
وتشير “ماركا” إلى أن أكثر من 700 ألف شخص من دارفور دخلوا إلى تشاد خلال العامين الماضيين، لينضموا إلى نحو نصف مليون سوداني كانوا قد لجأوا هناك قبل اندلاع الحرب. هؤلاء يعيشون اليوم في ظروف قاسية، يتشاركون الفقر وسوء التغذية والأوبئة والعنف، في بيئة لا توفر لهم الحد الأدنى من مقومات الحياة.
كل يوم يمثل تحديًا جديدًا بالنسبة لهؤلاء، حيث يصبح مجرد البقاء على قيد الحياة هو الإنجاز الحقيقي. في المخيمات، تتوالى قصص البطولات الفردية والمآسي، وتنبثق لحظات من الأمل رغم العتمة. بين هؤلاء، يبرز مازن ومعاذ، طفلان شقيقان يقضيان طفولتهما بعيدًا عن مسقط رأسيهما، في بلدة أدري على الحدود التشادية.
مازن محجوب أحمد، يبلغ من العمر 12 عامًا، يقول إنه من مدينة الجنينة، وهو الأكبر بين ستة أشقاء. يعيش منذ نحو عامين في المخيم، ويتشارك مأواه مع اثنين من أبناء خالته، في حين عادت خالته إلى السودان بحثًا عن زوجها المفقود. رغم قسوة الحياة، يصف مازن أيامه بأنها جميلة، مليئة بلعب كرة القدم ومساعدة والدته، ثم العودة إلى اللعب.
يتخذ دائمًا مركز الظهير في الملعب، ويقول إن فريقه المفضل هو ريال مدريد، وقد أشار بفخر إلى شعار النادي المرسوم على بنطاله الرياضي، مؤكداً أن كريستيانو رونالدو لا يزال لاعبه المفضل، رغم رحيله عن الفريق منذ سنوات.
مازن يتحدث عن الحظ الذي حالفه، لأن بعض أطفال الحي المجاور تمكنوا من شراء كرة جلدية، رغم أنها مفرغة من الهواء. مبارياتهم اليومية تبدأ عادةً بعد الثالثة عصرًا وتستمر حتى الرابعة والنصف، ثم يتركون الملعب للكبار.
يقول إنه كان يشاهد مباريات ريال مدريد بانتظام قبل الحرب، لكن في المخيم لا يوجد تلفاز، وإن أراد متابعة مباراة عليه أن يدفع مقابل الدخول إلى أحد الملاجئ المزودة بأجهزة استقبال، وهذا ما لا يقدر عليه.
قصة مازن وصلت إلى أحد المقربين من نادي ريال مدريد عن طريق منظمة “أطباء بلا حدود”، فكانت المفاجأة بإرسال 60 قميصًا للفريق، مع كرات وصور موقعة. الحدث كان بمثابة حلم تحقق للأطفال، الذين لم يصدقوا ما بين أيديهم.
في أدري، الوقت يمر ببطء، والانقطاع شبه التام عن العالم يجعل من أي خبر بعيد رفاهية. حتى خبر انتقال مبابي إلى ريال مدريد لم يصل إلى مسامع مازن إلا بعد أشهر، عبر أحد الأطباء. أما آخر مباراة شاهدها، فكانت كلاسيكو كأس الملك قبل الحرب، حين فاز ريال مدريد على برشلونة 4-0 في ملعب “كامب نو”، بتاريخ 6 أبريل 2023.
أما شقيقه الأصغر معاذ، البالغ من العمر 8 أعوام، فيشجع برشلونة، ويعتبر ليونيل ميسي أسطورته، رغم أنه نادرًا ما تمكن من مشاهدته. يعاني معاذ من مفارقة طريفة، إذ ترتدي والدته قميص النصر السعودي الذي يحمل اسم كريستيانو رونالدو، والذي اشترته له بدلاً من قميص برشلونة البالي. كان معاذ يرفض ارتداءه، لكن بعد وقت، صار يتقبله على مضض.
والدتهم، التي تجلس بالقرب منهما وتبتسم، ترى في طفليها مصدرًا للأمل والفرح، رغم ما يمرون به. تقول إنهما أفضل الأخوة، ينسجمان جيدًا، لكن عند دخول الملعب يصبحان خصمين لا يعرفان الرحمة. تتمنى لو توفرت شبكة للكرة الطائرة داخل المخيم، كي تتمكن النساء من اللعب أيضًا.
ربما يكون مازن ومعاذ قادرين على مشاهدة نهائي كأس الملك يوم 26 أبريل، الذي سيجمع ريال مدريد وبرشلونة. بالنسبة لهما، هذا اللقاء ليس مجرد مباراة، بل فرصة لإحياء جزء من ذكريات الطفولة والهروب مؤقتًا من قسوة الواقع. يقول مازن إنهما يلعبان دومًا “مدريد ضد برشلونة”، حتى إنهم استبدلوا الكرة التالفة بجورب مملوء بالبلاستيك.
في المخيم، هناك ملعب يستخدمونه مع نحو 24 طفلاً، وهم عدد كاف لتشكيل فريقين، بعضهم يعرفه من الجنينة، وآخرون تعرف إليهم هناك.
في هذا الركن من العالم المليء بالمآسي، تشكل كرة القدم شعاعًا من النور، تنقذ الأطفال من الاستسلام وتمنحهم سببًا للابتسام. قميص أو كرة قدم من مدريد أو برشلونة لا تمثل فقط أداة للعب، بل أشبه بكنز وسط صحراء، أو نافذة صغيرة على عالم آخر ما زال ينبض بالحياة.