إبراهيم شقلاوي: هل تنجح دبلوماسية الغرف المغلقة في إيقاف حرب السودان؟!.
وجه الحقيقة
شهدت الساحة السودانية الأسبوع الماضي زيارة ثانية خلال أقل من شهر لوزير الخارجية المصري ، الدكتور بدر عبد العاطي إلى العاصمة السودانية الإدارية بورتسودان ، وهي زيارة تحمل في طياتها رسائل سياسية بالغة الأهمية في سياق الدور المصري الإقليمي .
جاءت الزيارة في ظل تصعيد ميداني وسياسي متواصل في السودان ، وزادت أهميتها ارتباطًا بتوقيت زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى الإمارات في اليوم الثاني ، مما يثير تساؤلات حول محاولات مصرية لإعادة ضبط العلاقات بين السودان والإمارات بعيدًا عن الأضواء .
يبدو أن مصر فضّلت مسار الاتصالات الدبلوماسية السرية دخل الغرف المغلقة كأداة لتجنب التعقيدات التي قد تثيرها المبادرات العلنية ، مثل المبادرة التركية .
مصر التي طالما ارتبطت بعلاقات استراتيجية مع السودان ، تبدو الآن أكثر حرصًا على لعب دور مركزي في تهدئة الأوضاع .
زيارة عبد العاطي شملت لقاءات مع رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان ، ونائبه مالك عقار ، إضافة إلى وزير الخارجية السوداني علي يوسف الشريف . في هذه اللقاءات تم تناول ملفات رئيسية مثل إعادة الإعمار ، وقضايا المياه ودعم السودانيين المقيمين في مصر .
تمثل هذه الزيارة استكمالًا لجهود مصرية متصاعدة لدعم السودان أمنيا وسياسيًا . بجانب ذلك جرى الاتفاق على تفعيل الآليات المشتركة بين وزارتي الخارجية والري في البلدين ، بما يشير إلى رغبة مصرية واضحة في تعزيز التعاون الاستراتيجي لمواجهة التحديات المشتركة .
يبدو أن القاهرة قررت أن تكون القناة الوسيطة بعيدًا عن الأضواء ، وهو ما يفسر توقيت زيارة وزير الخارجية المصري إلى بورتسودان ، ثم زيارة السيسي إلى أبوظبي في اليوم التالي . هذه التحركات تشير إلى تنسيق مكثف بين الأطراف السوداني المصري والإماراتي لإيجاد صيغة تفاهم تلبي احتياجات السودان الأمنية والسياسية ، دون وضع الإمارات في موقف المساءلة المباشرة .
لكن التحرك المصري لا يمكن قراءته بمعزل عن المساعي الإقليمية لوقف الحرب في السودان .
فإلى جانب دعم القاهرة لوحدة السودان واستقراره ، هناك مؤشرات على أن مصر تسعى لتقريب المواقف بين الخرطوم وأبوظبي .
هذه المحاولات التي تبدو سرية وغير معلنة، قد تكون تجنبًا للإحراج السياسي لأي من الطرفين ، خاصة في ظل الاتهامات الموجهة للإمارات بدعم ميليشيا الدعم السريع . لذلك زيارة السيسي إلى الإمارات بعد يوم واحد من زيارة عبد العاطي لبورتسودان كما يبدو تؤكد وجود تنسيق مصري-إماراتي يستهدف تهدئة الأوضاع السودانية .
هذا التوقيت يعزز فرضية أن مصر فضّلت العمل خلف الكواليس بدلاً من تبني مبادرات علنية ربما يفشلها الضغط الجماهيري المنطلق من سيناريوهات معقدة حول نهاية الحرب .
بالمقابل المبادرة التركية التي دعت إلى جمع السودان والإمارات على طاولة حوار مباشر ، وإن بدت إيجابية تحمل في طياتها أبعادًا رمزية قد تجعل قبولها صعبًا بالنسبة كونها اشترطت اجندة مسبقة من الصعب القبول ببعض بنودها .
لأبوظبي ما يعني ضمنيًا اعترافها بدعم مليشيا الدعم السريع . هنا يبدو الدور المصري أكثر مرونة و قبولًا ، حيث يحاول تحقيق تفاهمات بعيدًا عن ضجيج الإعلام والمبادرات العلنية .
اللافت أن زيارة عبد العاطي تضمنت طرح فكرة انعقاد مؤتمر دولي لإعادة إعمار السودان بعد التوصل إلى وقف إطلاق النار ، بمشاركة دولية وإقليمية واسعة . هذا الطرح يعكس إدراك القاهرة لأهمية تقديم حلول شاملة تعالج التداعيات الإنسانية والاقتصادية للحرب ، وتؤسس لمرحلة جديدة من الاستقرار .
كما يؤكد أن إعادة الإعمار من القضايا الجوهرية الموجودة ضمن طاولة المفاوضات المحتملة بين السودان والامارات لذلك هذا الملف يحمل بعدًا استراتيجيًا غير بعيد من التحديات والفرص التي تحاول القاهرة إيجاد صيغة محددة لمعالجته ، إذ تسعى مصر إلى توظيف خبراتها الاقتصادية والهندسية لإيجاد مقاربة في هذا الملف المهم بالنسبة للشعب و للحكومة السودانية .
التحركات المصرية الحالية تعكس سياسة واعية تحاول التوازن بين الأبعاد المحلية والإقليمية والدولية للحرب في السودان .
ومع ذلك يظل التحدي الأكبر هو نجاح القاهرة في تحقيق اختراق حقيقي بين الخرطوم وأبوظبي دون أن تفقد الحياد الذي يضمن قبول الأطراف المختلفة لدورها . لذلك هل تأتي زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى الإمارات باعتبارها خطوة تكميلية ؟ في أبوظبي ناقش السيسي ومحمد بن زايد ملفات إقليمية عديدة ، أبرزها الأوضاع في السودان .
البيان الرسمي الصادر في ختام الزيارة والذي أكد أهمية وقف الحرب ودعم وحدة السودان وسيادته ، وهي رسائل تُظهر تقاربًا مصريًا-إماراتيًا تجاه ضرورة إنهاء الحرب في السودان ، وإن كان ذلك عبر تفاهمات خلف الكواليس قد تشمل لقاءً يجمع البرهان وبن زايد ، كما أشار وزير المالية السوداني جبريل إبراهيم مؤخرًا .
عليه وبحسب ما نراه من وجه الحقيقة فإن زيارة وزير الخارجية المصري وما تبعها من زيارة الرئيس السيسي للإمارات تمثلان جزءً من تحرك مصري استراتيجي يسعى إلى تعزيز الأمن القومي المصري من خلال الحفاظ على استقرار السودان .
وفي ظل التعقيدات المحيطة ، تبقى الدبلوماسية المصرية أمام اختبار حقيقي لقدرتها على تحقيق توازن بين المبادرات السرية والأهداف المعلنة ، مع الحفاظ على مصالحها ومصالح السودان كجزء لا يتجزأ من أمن واستقرار المنطقة .
ذلك ما تعكسه ديناميكية السياسة المصرية تجاه السودان ، في ظل استراتيجية المصالح المشتركة . هذا الاتجاه يجعل القاهرة وسيط محوري مهم في معادلة معقدة ، تسعى خلالها لتثبيت دعائم الأمن والاستقرار من خلال إيقاف الحرب ، وتعزيز نفوذها الإقليمي عبر مقاربة تجمع بين السياسة والدبلوماسية والاقتصاد .
دمتم بخير وعافية .
الإثنين 20 يناير 2025م. Shglawi55@gmail.com