تسببت إطالة أمد الحرب في تزايد الضغوط على الاقتصاد السوداني ، حيث أثرت الحرب بين مليشيا الدعم السريع والجيش السوداني في منتصف ابريل العام الماضي ٢٠٢٣،على جميع قطاعاته الاقتصادية، حتى إن الحكومة عجزت عن الاستمرار في استحقاقات العاملين في جهاز الدولة، نتيجة انخفاض وتوقف نشاط الأعمال بسبب تدني التحصيل الضريبي الذي يسهم بنسبة 57% من فاتورة الديون والمرتبات، فضلا عن تدمير البنى التحتية للصناعة، وشلل كبير في حركة التجارة.
انكماش الاقتصاد
وتوقع صندوق النقد الدولي انكماش الاقتصاد السوداني بنسبة 18.3 % خلال العام الحالي، وهو الأكبر في تاريخه وفقا لافادات خبراء اقتصاديين.
فضلا عن انخفاض معدل النمو الاقتصادى إلى -18.3% وفقًا لتوقعات البنك الدولى لعام 2023. كما بلغت خسارة الناتج المحلى الإجمالى السودانى بنسبة 151.1%، مع توقعات بانخفاض الناتج المحلى الإجمالى إلى 43.91 مليار دولار فى عام 2023. ووفقًا لـ”فيتش سوليوشنز”.
براهين ودلائل
وتسبب النزاع فى انهيار الجنيه السوداني أمام الدولار وخسر الجنيه السودانى أكثر من 50% من قيمته منذ أبريل الماضى، حيث يتم تداول الدولار بأكثر من 1200 جنيه سودانى بعد الحرب، بالمُقارنة بـ600 جنيه قبل الحرب.
كما رفعت الحرب معدل البطالة فى السودان من 32.14% فى عام 2022 إلى 47.2% عام 2024، وفقًا لإحصاءات صندوق النقد الدولى. وبحسب دراسة لمعهد سياسات الأغذية الأمريكى، توقعت خسارة 5 ملايين وظيفة فى السودان بسبب الحرب.
معدلات التضخم أيضا بحسب بيانات صندوق النقد الدولى ارتفع التضخم فى السودان إلى 256.17%، وهو ما يعنى ارتفاعها بنسبة 117.4%، وإلى الآن لم تتمكن الحكومة من الإعلان عن مستوى التضخم، مع توقعات بأن يسجل ارتفاعًا كبيرًا فى ظل الزيادة الكبيرة فى الأسعار.
وتراجعت حركة الصادرات بنحو 60% بفعل إغلاق المطار الرئيسى بالبلاد، وتوقف العمل بمعظم الموانئ الجافة، بالإضافة إلى اضطرابات سلاسل التوريد الناتجة عن الحرب مما أدى إلى تراجع عائدات الصادرات من العملات الصعبة، وتراجع إنتاج السودان من الذهب من 18 طنًا إلى طنين فقط خلال أشهر الحرب، وأفقد الخزينة السودانية عائدات صادرات الذهب التى تعادل 50 % من الصادرات بقيمة مليارى دولار.
وأدى النزاع فى السودان لشلل القطاع الزراعى، حيث انخفضت المساحة المزروعة فى البلاد بنسبة 60% عن السنوات السابقة تقليص المساحات وعجز المزارعين عن ممارسة النشاط.
انهيار القطاع المصرفى فى السودان، حيث تعرض 100 فرع من أفرع البنوك السودانية إلى النهب والسرقة والتدمير نتيجة الحرب فى السودان، وبلغت نسبة الأموال المنهوبة أكثر من 38% فى مصارف الخرطوم وحدها. ولم يسلم البنك المركزى السودانى من هذه العمليات التخريبية، وهو ما جعله يُعانى من نقص شديد فى السيولة، فكثير من البنوك بدأت تُعانى من مشكلة إدارة ديونها، بعدما تعرضت الشركات الكبرى التى اقترضت منها مبالغ كبيرة للتدمير والنهب، وهو ما جعل البنوك السودانية تواجه مشكلة فى تحصيل هذه الديون، الأمر الذى يتسبب فى وقوف القطاع المصرفى السودانى على حافة الانهيار.
تأثير شامل
وقطع الخبير الاقتصادي والمالي د. علي الله عبد الرازق علي الله بالتاثير البالغ لإطالة امد الحرب لفترة العام على مجمل الجوانب الاقتصادية و المعيشية و الإنسانية لكافة أفراد المجتمع السوداني .
كاشفا تراجع حجم النشاط الاقتصادي بنحو 50%- 60%، مع انكماش اقتصادي بنسبة أكثر من 18%، و اعتبرها أكبر نسبة تراجع يشهدها الاقتصاد السوداني طوال تاريخة.
مع فقدان أكثر من 120% من قيمة العملة الوطنية، مما أدى إلى تدهور مريع فى سعر الصرف للجنيه السوداني مقابل العملات الأجنبية ، الأمر الذي ادي بدورة الي ارتفاع معدلات التضخم، الجامح من قبل اندلاع الحرب
تراجع الصادرات
وقال في حديثه, خلال فترة الحرب التي اكملت شهرها الثاني عشر فقد تراجعت الصادرات الي 10 – 12 مليون دولار في الشهر فضلا عن فقدان 6.4 مليار دولار من المساعدات الانمائية المقدمة للسودان من مؤسسات التمويل الدولية و الإقليمية، كانت مخصصة لتطوير مشاريع حيوية في قطاعات الزراعة و الري و الصحة، بجانب اعلان مجموعة نادي باريس تعليق إعفاء ديون و متأخرات السودان المالية .
اما في جانب موازنة العام 2024، فقد أعلنت وزارة المالية، انها موازنة حرب، سيخصص نسبة كبيرة منها لتمويل الجهود العسكرية و العمليات الأمنية، فى ظل فقدان الموازنة العامه ل80% من إيراداتها ، مما يعني أن موازنة بهذه الطريقة تخصص جل مواردها للحرب و العمليات العسكرية ، و ان لا مكان للإنتاج و الخدمات الاجتماعية من صحة و تعليم و تحسين معيشة المواطنين و غيرها ، مما يفاقم من الأحوال المعيشية المتردية اصلا للمواطنيين، وهذا يعني مزيد من المعاناة للمواطنين العزل ، بالإضافة الي ان كل يوم إطالة فى امد الحرب، سيعقد الظروف المعيشية للمواطنين أكثر فأكثر، وذلك بتعطيل الحرب لعمليات الإنتاج في مناطق الإنتاج المختلفة ، بذلك يكون هذا بمثابة اعلانا من الحكومة بالتخلي عن مسؤوليتها اتجاه المواطنين، الذين أصبحوا غير قادرين على مواجهة الازمات التي خلفتها و مازالت تخلفها الحرب، من فقدان الملايين من العاملين في القطاعين العام و الخاص لوطائفهم، و عدم صرف استحقاقاتهم لعدد من الشهور، مما فاقم من الجوانب المعيشية لهم ، و تسبب في توسع ظاهرة الفقر لنطاق واسع بين المواطنين، انعكس ذلك على سوء الأوضاع المعيشية و الإنسانية، و بذلك يكون غالبية السودانيين قد دخلوا المرحلة الخامسة الخطيرة للمجاعة لأكثر من 20 مليون سوداني بحسب تقرير برنامج الغذاء العالمي.
هجرة الكفاءات
ونبه الي ان تفاقم الاحوال المعيشية َ الإنسانية المتدهورة داخل السودان ادي الي هجرة نسبة كبيرة من الكفاءات العاملة فى تشغيل خدمات البنية التحتية و غيرها الي خارج السودان، مما أثر سلبا علي استمرار تقديم هذه الخدمات بكفاءة و جودة عالية .
انهيار شامل
وأشار علي الله الي دخول الاقتصاد السوداني مرحلة الانهيار الشامل مما قد يؤدي إلى تفكيك الدولة السودانية قريبا، وقال ان الاقتصاد يرزخ تحت الضغوط الواسعة، و إطالة امد هذه الحرب( زادت الطين بله) مما ادي بالمواطنيين الي دفع فاتورة باهظة الثمن، تمثلت في تدهور الظروف المعيشية بسبب ارتفاع معدلات التضخم. الذي أثر سلبا على القوة الشرائية، و ادي الي ارتفاع َمعدلات البطالة و بروز ظواهر مجتمعية غريبة،واضاف ان استمرار إطالة أمد الحرب تعني للحكومة، تدهور مالية الحكومة، و من ثم الانخفاض المتواصل في الدخل القومي اذا ما امتدت هذه الحرب إلى مناطق أخرى، ذلك يعني انخفاض القاعدة الإنتاجية للاقتصاد ، و قطع بتاثير ذلك على جودة المؤشرات الاقتصادية و الاجتماعية .
و لتفادي المزيد من الفقدان و الخسائر طالب الخبير المالي والاقتصادي د. علي الله السياسيين و العسكريين و المجتمع الدولي لعب دورا متعاظما فى ضرورة وقف نزيف و استنزاف هذه الحرب المدمرة باي كلفة. لجهه أن استمرار العمليات العسكرية سيؤدي بالمزيد من التدهَور، ليس في الجوانب الاقتصادية، بل قد تعداها الي وجود و كينونة الدولة السودانية.