“الإنسان يعلو على الإنسان بالبحث عن المعنى”.. مصطفى محمود..!
أطرف تعبير عن الاختلاف في رواية حدثٍ ما بناءً على الاختلاف في زاوية النظر إليه، قرأته في حكاية – مجهولة المصدر – يُعيد الراوي من خلالها سرد قصة “ليلى والذئب” على لسان أحد أحفاد الذئب فيقول إن جده كان طيباً ونباتياً لا يأكل اللحوم، بينما كانت تعيش في الغابة فتاة شريرة اسمها ليلى، تخرج كل يوم لاقتلاع الزهور وتدمير الحشائش التي كان يأكلها جده. فيقرر الذئب أن يزور جدة ليلى لإخبارها بأفعال حفيدتها، لكن الجدة التي كانت شريرةً أيضاً تهجم عليه، وعندما يدافع عن نفسه تسقط فيرتطم رأسها وتموت..!
حينها يتأثر الذئب كثيراً ويفكر بشعور ليلى عندما تعلم بموت جدتها، فيقرر أن يلبس ملابس الجدة وأن ينام في سريرها من باب المواساة، لكن ليلى الشريرة تلاحظ التغيير في شكل جدتها فتخرج وهي تصرخ وتنشر الإشاعات الكاذبة بشأن الذئب الذي أكل جدتها..!
الفرق بين الذئب وحفيده أن الأول قد أطلق كذبةً لا يصدقها، بينما الثاني يُصدِّق كذبةً يثق هو بمصدرها الكاذب. فيسهل على الأول أن يتلاعب بالثاني من خلال استخدامه لتحقيق مصالحه بوازع من ثقة قوامها قوة الاعتقاد..!
أحفاد الذئاب في هذه الحرب كُثُر لأن طبيعة الحروب الأهليه التي تعول في اندلاعها على تقلبات سياسية وانقلابات عسكرية – ومشكلتها أيضاً – أن طبيعة الولاء فيها ملتبسة وأن حقيقة الانتماء فيها متداخلة وبالغة التعقيد – شأنها شأن المشكلات العائلية التي تنتهي إلى محاكم الأسرة – فيصعب التفريق التام بين الأخيار والأشرار والأتباع والموالين المخلصين لكل طرف منذ البداية، لكن تعاقب الأيام وحده هو الذي يثبت هذا الافتراض أو يدحض ذاك..!
مسألة الولاء لكل طرف في هذه الحرب من قبل فئات بعينها معقدة لأنها تعتمد على عدة عوامل منها الانتماءات القبلية ومنها المصالح الشخصية ومنها بعض الحالات الخاصة التي تنطلق من فقه الضرورة. فالفرق بين مذاق العِجَّة والسَّلَطة الروسية يكمن في درجة الحرارة التي تتعرض لها بعض المواد المُكوِّنة لكل طبق، وكذلك بعض الناس في أيام الحروب..!
يكفي أن ست الشاي التي كانت تجلس بجوار بيتك تسكنه اليوم وتدافع عن حقها في ذلك وتراك وغداً لا يستحق أن يمتلك ما صارت تتقلب هي فيه من النعم. بينما يقرر الغفير الذي كان يحرس عمارة جارك – التي ما زالت تحت الإنشاء – أن يسرق بيتك وسيارتك وأن ينسب فعلته تلك إلى قطعان الدعامة الذين اجتاحوا الحي وسرقوا ونهبوا بيوت بقية الجيران، لكن تصادف أن الله قد صرف أبصارهم عن بيتك، بينما عَمِيتْ بصيرته هو عن حق الجوار..!
جوهر الفرق بين الحروب التي تقوم بين الدول والحروب الأهلية التي تندلع في ذات الدولة هو ارتفاع معدلات التعرض لأخطار النيران الصديقة التي تُضمر العداء بوازع من قوة الاعتقاد المبنية على حفنة أكاذيب، والتي يبدو أنها قد بدأت تنفخ كيرها في هذه الحرب ..!