اوجعتني صغيرتي (حنين) ذات الستة اعوام حينما اعتذرت لي بلطف عن تشغيلها (المكيف) عقب عودتها من المدرسة..، (معليش يا بابا سامحني عارفة الكهرباء غالية لكن انا مسخنة؟)..
قاتل الله عمايل السياسة واخفاقات الاقتصاد وهي تجعل من تشغيل المكيف مدعاة لاعتذار اطفالنا بسبب ما ترسخ في اذهانهم من شكاوى نبذلها جهارا نهارا وسرا وعلانية بسبب تكاثف الضغوط الاقتصادية التي كسرت صورة و اصوات الاباء وضاعفت معاناة الامهات في (سعيهم وسعيهن) لتوفير الحياة الكريمة لفلذات الاكباد.
سامحك الله يا دكتور جبريل فقد اشققت علينا وضاعفت من معاناة المواطن للحد الذي باتت فيه الحياة جحيما لا يطاق، من كان يتوقع ان يصل سعر رغيف الخبز الي (ستين ) جنيها ، وان يدفع المواطن مقابل جالون البنزين اكثر من (ثلاث الاف) جنيه و( الساقية لسة مدورة)، من اين له (خمسة الاف) جنيه يوميا لمقابلة صرفه علي الكهرباء (الزادات اليوم برضو) وكيف يطعم صغاره مع ارتفاع اسعار الحليب وقد تجاوز سعر الكيس الواحد زنة (اثنين كيلو ونصف) مبلغ (العشرة الاف جنيه) ومن اين له (حق الزيت) وقد ارتفعت الجركانة الاربعة لتر الي (ستة الاف ونصف) .. وكيف يشتري اللحم والخضار والبصل والفحم مع غياب الغاز واستمرار ازمته المتطاولة .
كيف يتمكن المواطن من توصيل ابناءه للجامعات والمدارس مع ارتفاع تعرفة المواصلات الاخذة في التصاعد وكيف يوفر حق (فطور المدرسة) وبقية المستلزمات بل كيف سيصل هو الي مكان عمله مع زيادة كلفة الترحيل وهل سيعينه الراتب الخجول علي التزود ب(ساندويتس طعمية) يكلف تناوله يوميا اصعاف راتبه في الشهر..
لقد افسدتم الحياة يا دكتورجبريل واوقفتم حركتها وجعلتم حياة الناس في خطر وانهكتموهم بالغلاء الطاحن وارتفاع الاسعار وعمايل ( سياسة رفع الدعم) عن كل شئ الا الاكسجين الذي لا استبعد ان تبيعونه للمواطن ان استطعتم ذلك.
بربك ياجبريل هل تكون مرتاحا حينما تاوى الي فراشك وقد اشققت علي الناس الي هذا الحد، بل كيف ستلاقي ربك وانت تتدبر حديث السيدة عائشة -رضى الله عنها- اذ قالت: سمعت رسول الله ﷺ يقول في بيتي هذا: اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فشق عليهم فاشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فارفق به[1]، رواه مسلم.)
مازلنا نذكرك وقد عهدناك مؤمنا يفيض حديثك بالتقوى والايمان بالمقولة الخالدة التي اختلف الناس في نسبتها لسيدنا علي كرم الله وجهه وابوذر الغفاري (عجبت لمن لم يجد قوت يومه ولم يخرج شاهرا سيفه» ، وننبهك الي ان الفقر قد استبد بالناس وان ما نراه من انفلات وتفلت وجرائم نهب وسرقة في الشارع ماهي الا نتاج للجوع الذي استحكم بحياة المواطنين.
بربك ياجبريل هل يحتمل السودانيون سياسة رفع الدعم التي تقتلهم الان بالجوع والهم والمرض والاحتياج لكل شئ ، كيف تنفذون روشتة الخواجات في بلاد لا تشبه بلادهم.
كل الدول التي طبقت هذه السياسات يا دكتور جبريل تشهد استقرارا في سعر الصرف الذي يضع الاسعار الان فى ( كف عفريت ) ؛ وبها ارتفاع في مستوى دخل الفرد، بربكم كيف يتحمل الناس رفع الدعم والدولار كل يوم في حال،
الا تخافون يوما تتقلب فيه القلوب والابصار يسالكم فيه الله عن حياة الناس التي اسلمتموها المجهول واصبحتم تنظرون الي المواطن وهو يموت يوميا ويفشل في ان يجد قوت يومه.
لا ادري من هءا العبقري الذي اشار علي الحكومة الانتقالية باعلان ثلاث زيادات للوقود في اسبوع واحد وصلت بسعر جالون البنزين الي اكثر من ثلاث الاف جنيه.. بينما قفز سعر جالون الجازولين الي اكثر من 2800.
باختصار تسمرت حركة الحياة لم يذهب الناس الي اعمالهم تعطل وصول التلاميذ الي المدارس والطلاب للجامعات توقف دولاب العمل ، لن تكون هنالك دولة، لن يسنتطيع الناس الشراء,، لن تعمل المستشفيات سيفضل الموظفون البقاء في المنازل بدلا عن الذهاب الي اعمالهم والصرف علي الدولة بعد المقارنة بين المرتبات والمنصرفات.
الواقع ان الحكومة بهذه الجراحة القاسية والموجعة جدا تحاول ارضاء مؤسسات التمويل الدولية علي حساب مواطنها الذي لا اظنه يحتمل ما سيترتب علي هذه الزيادات من ارتفاع فظيع في اسعار السلع الملتهبة اصلا ومع دخول سهر رمضان.
في هذه المرحلة كانت الحكومة بحاجة لان تصالح المواطن بدلا من ان تشق عليه باسعار جديدة، فالحياة باتت عبئا لا يحتمل قبل هذه الزيادات ، توالي ارتفاع السلع بشكل مخيف حتي فقد جل الناس الرغبة او قل القدرة علي البقاء قيد الحياة.
للدكتور جبريل الذي حذرناه من محرقة الوزارة قبل تسلمها نقول : ادرك اقتصاد البلد فقد انهار فى عهدكم تماما ، لابد من معالجات شجاعة تكفل تدخل الدولة لاعانة الناس علي العيش والحياة فقد نفد الصبر وتجاوزت الروح الحلقوم، السياسة التي انتهجتموها ليست مقدسة راجعوا انفسكم قبل الطوفان فالقادم لايبشر بالخير في ظل الانفلات الاقتصادي والصعود المتسارع لاسعار الدولار.
اية زيادة جديدة في السلع والخدمات لن يحتملها المواطن وستكون نتائجها مدمرة، من الغريب ان وزارتكم مازالت صامتة ولا تحرك ساكنا رغم المصائب التي تتوالي علي السعب السوداني جراء سياساتكم القاسية…
عزيزي جبريل ان فشلت في التعامل بما يلزم مع النطورات الخطيرة في ملف الاقتصاد ومعاس الناس ، فاستعد لتحمل وزر القادم .. استقيل يا دكتور وقدم من هو اكفا واجدر وانصرف للفضاء السياسي فلك فيه مواهب وصولات واترك حقيبة الاقتصاد ، تفرغ للحركة التي نحترمها ونريد لها تبني الخطاب القومي والتطوير خلال المرحلة القادمة فهي اجوح الي جهدك…اترك المالية واخرج من هذا الكمين الذي يوشك ان يفقدك مستقبلك السياسي..
الا هل بلغت اللهم فاشهد..