تقرير: هبة محمود
منذ نحو عامين وأكثر وفي توقيت مماثل، كانت الأصوات تتعالى بضرورة تعيين د. عبد الله حمدوك رئيسا للوزراء على حكومة الانتقال. الصورة وقتها وفق سيرته الذاتية كانت تنبئ بإمكانية الرجل على إحداث إصلاحات اقتصادية وسياسية جمة للسودان، غير أنه وفق مراقبين فإن المهمة على أرض الواقع كانت أصعب مما هي عليه، واكبر من إمكانياته، وعلى الرغم من التحديات والصعاب التي لازمت مسيرة الانتقال، إلا ان (الأمل) كان هو الشعار المرفوع دوما من قبله، لكن يبدو انه ومع تطاول الأزمة، خفت ذلك الأمل وازدادت عتمة النفق، ما جعله يعتزم تقديم استقالته بل يصر عليها، وفق ما حملت مصادر إعلامية أمس، بإبلاغه كل من رئيس مجلس السيادة ونائبه، بالاستقالة والبحث عن رئيس وزراء آخر. إصرار د. عبد الله حمدوك على الاستقالة يفتح الباب أمام عدد من التساؤلات في مبتدأها ما الأسباب الحقيقية للاستقالة؟ هل اصطراع القوى السياسية هو من عجل بالرحيل؟ أم تناقص الشعبية والدعوات برحيله هي من دفعته للاستقالة والذهاب بعيدا عن المشهد؟ ما حقيقة الضوء الأخضر من قبل الولايات المتحدة بضرورة الرحيل وإنهاء المشهد العبثي بالسودان ؟ وفي أي سياق يمكن ربط الاستقالة مع تصريحات المبعوث الأممي فولكر بإمكانية قيام انتخابات مبكرة؟ هل وافق حمدوك العودة إلى منصبه كوسيلة للخلاص من الإقامة الجبرية؟
سيناريوهات الاستقالة
خلال الأسبوع الماضي وعلى نحو مباغت لكنه متوقع، خرجت تسريبات من مصادر مقربة باعتزام رئيس الوزراء د .عبد الله حمدوك تقديم استقالته من منصبه، وبحسب ما رشح وقتها من أنباء فإن أسباب الاستقالة بسبب عدم توافق القوى السياسية، لكن وفق مراقبين تحدثوا لـ”الإنتباهة” فإن الأسباب الحقيقية ليست في ما حملته المصادر وبحسب المحلل السياسي نصر الدين بابكر، فإن الاستقالة تعود أسبابها لتناقص شعبية حمدوك سيما عقب احتجاجات ذكرى ثورة ١٩ ديسمبر ورفض الشارع له. ويرى بابكر في حديثه لــ “الإنتباهة” أن رئيس الوزراء ليس بالسهل عليه رؤية الشارع يطالب برحيله ويصفه برئيس الوزراء الانقلابي وهو السبب الحقيقي وراء الاستقالة. في مقابل ذلك يرى خبراء سياسيون أن حمدوك فتح الباب أمام القوى السياسية للدخول عنوة، ومحاولة صياغة إعلان سياسي، لعلمه مسبقا بعدم التوصل لاتفاق حتى يكون ذلك سببا أساسيا في تقديم استقالته.
وسيلة خلاص
وفي الأثناء أبلغت مصادر مطلعة “الإنتباهة” بأن رئيس الوزراء د . عبد الله حمدوك، كانت في نيته مسبقا الدفع باستقالته عقب شهر أو شهرين من عودته لمنصبه، وبحسب المصادر فإن حمدوك بعد إجراءات ٢٥ أكتوبر ووضعه قيد الإقامة الجبرية، لم يكن أمامه سوى القبول بالعودة كنوع من أنواع الخلاص، في مقابل ذلك يستبعد المحلل السياسي خالد البشير لـ “الإنتباهة” أن تكون عودة حمدوك وسيلة للخلاص من المكون العسكري والانفكاك من الإقامة الجبرية، بقدر ما أنها خلاص من المشهد برمته عقب وصمه بالفشل. ويرمي المواطنون والقوى السياسية على عاتق حمدوك فشل المرحلة الانتقالية وتأزم المشهد برمته، رغم ما يمتلكه من خبرات جمة. وعلى الرغم من تكالب القوى السياسية على حمدوك بحسب كثيرين، وتقييده في كيفية اتخاذ القرار، إلا ان الاتهامات تصوب تجاهه في عدم حسم المشهد وعدد من القضايا. ويذهب البشير إلى أن تهذيب حمدوك الزائد كان سببا في فشله، مؤكدا بأنه رجل وطني خالص، وتابع: من العيب وصم حمدوك بالفشل لاعتبارات كثيرة، فهو ضحية أحزاب ليس إلا.
يس مان
وفيما توقع كثيرون عدم إقدام حمدوك على الاستقالة عقب التلويح بها الأسبوع الماضي، وعدوها بالونة اختبار ومحاولة للضغط على الأحزاب، لكن في مقابل ذلك ذهب المحلل السياسي وهبي السيد في حديثه لـ “الإنتباهة” إلى أن الدافع الرئيسي وراء الاستقالة، هو تعليمات من قبل المجتمع الدولي والأمم المتحدة، بإنهاء المهمة لتعقيدات المشهد في السودان، ويربط وهبي تحليله لـ “الإنتباهة” بتصريحات المبعوث الأممي فولكر باحتمالية قيام انتخابات مبكرة، وقال:الأمم المتحدة منحت حمدوك الشارة الخضراء في تقديم استقالته، توطئة لإعادته في الأمم المتحدة مجددا بعد تعقيد المشهد، سيما أنها تعتبره (يس مان)
لكن وفي الأثناء يرى المحلل السياسي محجوب محمد في حديثه ل “الانتباهة ” أن السبب الأساسي في تقديم الاستقالة هو تفعيل قانون الطوارئ ومنح جهاز الأمن سلطات الاعتقال. ويرى محجوب أن حمدوك وجد نفسه أمام هذه الإجراءات المقيدة للحريات، في مواجهة الشارع وقوى التغيير، وتابع: تطورات التظاهرات الأخيرة كانت هي القاصمة.