السودان اليوم:
* أدى الصراع المتجدد والدائم بين المعسكرين (اليميني / الإسلامي واليساري /العلماني ) في السودان، خاصة عند وضع الدستور الدائم للبلاد، أو محاولة إرساء الحكم الديموقراطي في السودان ، الى تكرار ظاهرة ما يعرف ( بالدورة الخبيثة) في التاريخ السياسي السوداني ( انتخابات ثم انقلابات أو حكم مدني ثم حكم عسكري)!
* يأمل الثوار الشباب والعقلاء من الأجيال السابقة بعد نجاح ثورة ديسمبر في الخلاص من النظام السابق في بناء الدولة السودانية الجديدة على أسس ” الحرية والسلام والعدالة” لضمان لاستقرار السياسي والأمني والاجتماعي، ولكن يتطلب الوصول الى هذا الهدف السامي إجراء مراجعات شاملة للأخطاء السياسية التي أعاقت في الماضي بناء الاساس السليم لسودان العدالة والاستقرار، وكان للأحزاب السياسية النصيب الأكبر فيها بالتحزب والتعصب والتطرف الأيديولوجي والطائفي والعنصري الخ،وغيرها من الممارسات السلبية!
* عليه لا بد من استثمار الفترة الانتقالية لإصلاح الأحزاب السياسية القديمة والحديثة ( والتي ستنشأ بعد هذه الثورة ) لتأمين الممارسة الديمقراطية التعددية الراشدة، سواء كانت هذه الأحزاب من المعسكر اليساري / العلماني أو من المعسكر اليميني /الإسلامي) . ونعني بالديمقراطية الراشدة تلك التي تقوم على احترام التعددية وحقوق الإنسان واعلاء المصلحة العامة على المصالح الضيقة أو الخاصة.
* لكي تكون الديمقراطية التعددية القادمة “راشدة” لابد أن يقودها ” الراشدون ” في كل حزب من الأحزاب الإسلامية أو العلمانية. هذا يقودنا أولاً لتحديد ما معنى ” الرشد ” وثانياً تحديد من هم “الراشدون”.
* جاءت كلمة “الرشد ” لغوياً وقرآنياً مرادفة للمعاني الايجابية الآتية: الحق ، الهدي ، الصواب ، الصلاح ، الحكمة ، العلم ، البلوغ العقلي ، الخير ، النفع والفلاح الخ.
* المعروف أن كل ايدلوجية أو ” مدرسة فكرية” لها تيارات داخلية تتصارع داخل المدرسة الواحدة، وتنقسم هذه التيارات إلى اجنحة متعددة منها المتطرفة ( يميناً ويسارا ) ومنها الوسيطة ( الأكثر اعتدالا )، وبينما تميل الأجنحة المتطرفة دائما إلى الإقصائية واعلاء المصلحة الخاصة ، تميل التيارات الوسطية الي الاعتدال والتوافقية . وبالتالي فإن التيارات الوسيطة هي الأقرب دائماً إلى الرشد والعقلانية والقدرة علي إدارة التعددية.
* يمكن تلخيص الأسئلة المطروحة التي تحتاج إلى إجابات دقيقة ملحة وقائمة على معايير علمية ومتفق عليها في الآتي:
١- ما هو الحكم الراشد ؟
٢- ما هو الإسلام الراشد؟
٣- ما هي العلمانية الراشدة ؟
٤- ما هي الديمقراطية الراشدة ؟
٥- ما هي الأحزاب الراشدة ؟
* للإجابة على هذه الأسئلة لا بد من حوار “راشد ” جامع ومفتوح للجميع بين الإسلاميين والعلمانيين وجميع الأحزاب السياسية في الساحة ، على أن يتم الاتفاق في نهاية الأمر على وضع ميثاق شرف يوقع عليه الجميع لتحقيق الحكم الراشد والدولة الرشيدة في السودان، وتكوين مفوضية خاصة بالإصلاح السياسي تكون الجهة الرقابية والمرجعية القانونية لصيانة الديمقراطية التعددية القادمة من أي انحرافات تؤدي إلي الانقضاض عليها.
* ولا بد بالضرورة أن يكون الحوار مفتوحاً للشعب السوداني حتى تتم عملية التنوير بصورة واسعة لرفع الوعي الشعبي السوداني ، لأن الشعب هو المعني بالدرجة الأولى بالديمقراطية، وصوته في الانتخابات هو العامل المؤثر في عملية الديمقراطية عن طريق صناديق الاقتراع، فالشعب الجاهل يختار الجاهلين ( وهو ما يعرف بالديمقراطية الديماغوجية أو الفوضوية)، بينما الشعب الواعي يختار الصالحين والراشدين وهو ما أعنيه هنا بالديمقراطية ” الراشدة “.
* رفع شعار “الديمقراطية ” وحده لا يكفي، لان هناك أنواعا كثيرة من الديمقراطية منها ” الزائفة أو المظهرية” التي تكون الشفافية و المصداقية فيها مفقودة، وهناك الديمقراطية ” “الفوضوية ” التي يتم فيها استغلال الجهل والإثارة العاطفية للوصول إلي السلطة، إذن الديمقراطية نفسها في حاجة الى معايير راشدة حتي تحقق اهداف الثورة في الحرية و العدالة والسلام وبناء السودان الجديد المستقر بإذن الله .
د. فايزة حسن طه
محاضرة وباحثة في العلوم السياسية
تعقيب:
شكرا للدكتور فايزة على هذه المساهمة الجميلة والأفكار الرائعة وننتظر منها المزيد، والفرصة مفتوحة لكل من يريد ان يعلق او يعقب او يدلى بدلوه من كل التيارات والافكار والاحزاب والقوى السياسية والثورية والمدنية والافراد والثوار .. دعونا نفتح صفحة واسعة من الحوار يقودنا الى بر الأمان، إن شاء الله .. في إنتظاركم.
The post إلى الحلو وآخرين !.. بقلم زهير السراج appeared first on السودان اليوم.