عثمان ميرغني يكتب.. لماذا الآن.. الخطوط الحمراء؟
أوضحت امس الخليفة التي يمكن الاستنا إليها لفهم بيان الرئاسة المصرية حول الخطوط الحمراء في السودان.. وذكرت أنه من قراءة المشهد العام، تبدو مصر هي المبادرة بدعوة زيارة البرهان للقاهرة، ويكاد يكون البيان جاهزاً قبلها.. بعبارة أخرى أن مصر لم تلوح بالبطاقة الحمراء إلا بعد أن استكملت خطتها للتعامل مع الموقف في السودان.. وبطبيعة دولة مؤسسات عريقة مثل مصر، لا تقدم على إشهار خطوة تصعيدية إلا بعد أن تنضج مطلوبات الفعل المبني على هذا البيان.
فما هي الدواعي التي أوجبت التحذير والإنذار المصري؟
وما السيناريو المتوقع حال تطلب الأمر إنفاذه؟
الأمر قد لا يتعلق مباشرة بالأوضاع العسكرية الميدانية و توسع مناطق انتشار الدعم السريع في مسارح كردفان ودارفور.. ففي سنتي الحرب الاولى والثانية تمددت قوات التمرد في ولايات الخرطوم ومدني وسنار والنيل الأبيض وأطبقت الحصار على مدينة الأبيض .. وكانت المقار العسكرية والسيادية تحت سيطرتها بما فيها القصر الجمهوري ومجلس الوزراء و الاذاعة والتلفزيون و حاصرت القيادة العامة للجيش.. بل لحوالي أربعة أشهر كانت كامل قيادة الجيش تحت رحمة القصف المتوصل ليل نهار تحت الأرض في القيادة العامة.
الاوضاع العسكرية حاليا في صالح الجيش السوداني بكل المقاييس .. حتى في ظل التطورات الأخيرة.
السودان حسب تقديرات عسكرية وسياسية واقتصادية اضطر لاستدعاء قوات خارجية لاسناده.. دخل “جيش دفاع جنوب السودان” إلى منطقة هلجيج السودانية لحماية منشآت وآبار النفط في المنطقة..
دولة جنوب السودان قالت على لسان وزير الاتصالات والاعلام ان الترتيبات متفق عليها بين الدولتين والدعم السريع.
عمليا – غض النظر عن طبيعة ودواعي الاتفاق- دشن ذلك أول تدخل لقوات أجنبية في الأراضي السودانية.. أدى ذلك لقرع أجراس الخطر في القاهرة.. دوائر الأمن القومي المتداخلة مع السودان تنظر إلى ما يجري في السودان بقلق و رقعة التدخل الخارجي تتوسع وتبلغ مرحلة الوجود العسكري النظامي لدولة أخرى على الأرض.
رغم أن الأمر كان حصيلة اتفاق بين السودان و جنوب السودان إلا أنه بالضرورة يفتح الباب على مصراعيه لدول الجوار أن “تأكل مما يليها”. الجيش التشادي لن يجد حرجا في ظل تطبيع وجود قوات أجنبية بالسودان أن يدخل من الحدود الغربية. وكذلك الجيش الاثيوبي من الشرق.
بالتأكيد الجيش المصري لا ينوي التدخل ميدانيا في السودان – طالا أساسا يرفض ذلك للآخرين- لكنه يدرك أن وجوده المعنوي -الخط الأحمر- وحده يكفي لردع أية نزوات تدخل من دول الجوار الأخرى.
ولكن إذا لم يكفي التحذير بالخطوط الحمراء.. فقد يحتمل السيناريو دعما مباشرا للجيش السوداني، او اسنادا لوجستيا وربما جويا بالمُسّيَرات ليواجه مثل هذا الخطر.
لهذه الترتيبات نقاط قوة، و نقطة ضعف أساسية.
نقاط القوة هو السند الأمريكي والسعودي وربما يفسر ذلك استهلال بيان الرئاسة المصرية باشارة ذكية للتفاهم والعمل مع ترامب في املف السوداني. اضافة للمواقف الدولية الواسعة والكاسحة ضد الدعم السريع خاصة بعد جرائم الحرب التي ارتكبها خلال افترة الماضية في بارا والفاشر وبابنوسة وغيرها.
وتظل نقطة الضعف المركزية الأساسية، هي في الجانب السيادي السوداني.
معلوم ان مثل هذه الترتيبات ترتبط نجاعة نتائجها بعامل الزمن. فهي قصيرة المدى وتطلب سرعة التحرك في الاتجاه الذي يمنع التداعيات.
لكن الجانب السوداني، ممثلا في السلطة السيادية عموما والرئيس البرهان خاصة تعاني كم التردد والغموض في النوايا والأهداف. هذه أضعف حلقات الطريق المفضي لاطفاء نار الحرب و احلال السلام في السودان.




