للحقيقة لسان
رحمة عبدالمنعم
فاطمة الصادق.. قصة نجاح عظيمة
لا أعلم تحديداً متى التقيتُ الإعلامية فاطمة الصادق، لكني أعرفها منذ زمن بعيد، فقد كنتُ أطالع حروفها البهية في الصحف السيارة- على أيام “ألوان الحق والخير والجمال”، و”الحياة”، مروراً بـ”الأهرام اليوم” و”المجهر السياسي” إلى “الهلال” و”الأسياد”.
لم تدخل فاطمة لدنيا الصحافة من الأبواب الخلفية كما فعلن بعض من ولجن المجال بعدها، دخلت صالات التحرير متدربة تمتلك أدواتها، تطارد الأخبار وتنفرد بالتصريحات، معتدة بنفسها، تصدح بما ترى دون خوف، لا يهمها إن أخطأت مرة، مارست جميع قوالب العمل الصحفي، وكان شعارها “خدمة الكلمة الصادقة والدفاع عن الحقيقة”، فهي من القلائل اللائى توهجن في حقل الصحافة، حيث فتحت لنفسها طريقاً ليس معبداً كما كل المسالك الصحفية غير الممهدة احتاجت إلى الجهد والعرق، بجانب ملاقاة أعداء النجاح من الحاقدين، الذين استهدفوا مسيرتها بألسنة غلاظ، فلم تنحن وظلت شامخة، ولم يستوقفها هؤلاء أو ينالوا من خطوات صعودها لدنيا النجومية والنجاح.
امتازت كتابات فاطمة الصحفية بطرح الآراء الجريئة والناقدة للواقع السياسي والرياضي عبر زوايتها الشهيرة “خط التماس”، واضطرت في سبيل ذلك، لخوض الكثير من المعارك مع سياسيين ورياضيين، وبهذه الجرأة والشجاعة حافظت على استقلاليتها، واستطاعت أن تقول للمرجفين أيام “نظام الإنقاذ” إن حرية التعبير عن الرأي لا تُعطى وإنما تُنتزع، وأن الذين ينتظرون اللحظة التي تُتاح لهم فيها الفرصة ليُعبّروا عن آرائهم بجرأة وحرية فإنهم يحلمون ويأملون.
استفادت “بت الصادق” من خبرة عملها بالصحافة الورقية، لتنطلق في الحقل الإعلامي الواسع، شقت طريقها بثبات، وتميزت بأسلوبها المقنع وطرحها المميز، لتكون إحدى أبرز المذيعات في تلفزيون السودان، ثم انتقلت منه لقنوات “هارموني، النيلين، قوون، وأم درمان”، مواصلةً برامجها بوضوحٍ وشموخ في كل الاتجاهات؛ حتى صارت قِبلة الإبداع بتحدي ذاتها، وتأملها، وخدمتها، وحبها للناس، وحبهم لها، فهي إنسانة أصيلة، واثقة من توطيد علاقاتها فى تلقائيتها البادية وذكائها الاجتماعي الطازج المتجدد بالأصدقاء والمعارف.
لم تطرق فاطمة قلوب الناس لتدخل إليها، إنما ولجت دون استئذان و”تحكرت” في قلوبهم ببساطتها وصدقها، فهي صاحبة الأخلاق النبيلة والمعاملة الحسنة، لم تغيرها الظروف، ظلت كما هي بوجهها الصبوح ترد التحايا بأجمل منها، توزع الابتسامة، تمد يد العون للضعفاء، وتقف بجانب الزملاء، وكأنما النصري يشير إليها- وهو يتغنى:
زيك ولا في مثيل
في نُدرة تيرابك
فرق النهار والليل
فرقك من أصحابك
تحولت فاطمة للكتابة في الشأن الرياضي، لتصبح قريبة من معشوقها السرمدي، سيد أندية السودان “هلال الملايين”، تسطر مقالات الحب العريض، وتجيد الدفاع عنه بقلمها “المتين”، فلها في خدمته عرق، وقد عينت منسقة إعلامية للنادي في العام 2014م، كأول امرأة تتقلد هذا المنصب، فكانت خير من يتحدث عن الهلال، تنقل أخباره أولاً بأول، ترد على الاستفسارات، ترتب المؤتمرات، ولا تهتم بالترهات، فقد شغلت الناس وملأت الدنيا، أسهرت الخلق حولها، ونامت ملء جفنيها عن شواردها.
انتقلت “فافي” للعمل الإداري وكانت من المؤسسين لقناة “الهلال الفضائية”، وأسند لها منصب المدير العام، وكسبت القناة الرهان وأصبحت واحدةً من أفضل القنوات السودانية التي تحظى بالمتابعة والمشاهدة العالية، لما تقدمه من برامج شيقة وهادفة، ولكي يستمر التوهج والتألق خرجت القناة من عباءة “الهلال”، لتشمل الجميع وتكون “البلد”.
وكان قرار الدكتور أشرف الكاردينال بالانتقال من قناة “الهلال” وتأسيس “البلد” قرارًا إيجابيًا، وجاء هذا القرار لخلق منصة إعلامية، تكون قادرة على عكس التنوع السوداني بعيداً عن الانتماءات الضيقة، ونجحت “البلد” في تقديم صورة زاهية، وحققت نجاحاً عريضاً، ببرامج شيقة وجاذبة، ورؤية تنطلق من “بيوتنا السمرا وناسا”.
وأكاد أجزم أن قناة “البلد” الفضائية المتميزة تحظى باحترام ومتابعة الشريحة الأوسع من السودانين داخلياً وفي الخارج، بوصفها صوتًا صادقًا ومنبرًا هادفاً، وقد أخذت مكانتها الأثيرة في بيوتنا ومكاتبنا وصارت صوتنا الذي نصدقه ونسعى لترويجه في الجهات الأربع.
لقد أثبتت “فاطنة” من خلال إدارتها لقناتي “الهلال” و”البلد”، أن العبقرية في إدارة المؤسسات الإعلامية، لا تقتصر على الرجال، ولا تتوقف عند “جيل الكبار”، فجيل الشباب بدأ يسطر ملحمةً جديدةً في المجال مواصلاً السير في كتابة تاريخ نضير.
