بقلم/ التاج بشير الجعفري
eltag.elgafari@gmail.com
ظهرت لجان المقاومة، التي يغلب على تمثيلها عنصر الشباب الذين يمثلون 60% من تعداد البلاد، بشكل واضح في المشهد السياسي أثناء ثورة ديسمبر 2018 المجيدة حيث كان لها الدور الأبرز والأكبر في تنظيم وإنجاح التظاهرات ضد النظام السابق بالإضافة لدورها الحاسم في إعتصام (القيادة العامة) الشهير الذي أجبر سياسيي (الإنقاذ) على التنحي وأرغمهم على القبول عنوة بالتغيير الذي أصبح واقعاً لا يمكن التغاضي عنه أو الإلتفاف عليه.
وقتئذ لم تكن الأحزاب السياسية (المتهالكة) قد فاقت بعد من سباتها، ولم تنتبه للإنقضاض على هذه اللجان وتجييرها لمصلحتها، ولكن رويداً رويداً ومع مرور الوقت بدأ ظهور الأحزاب في المشهد كما بدأت كذلك الحملة المستعرة (للإستيلاء) على هذه اللجان لأجل الإستفادة منها سياسياً والتحكم في خياراتها ومساراتها.
وحتى نكون أكثر واقعية في تناولنا لموضوع (لجان المقاومة) يجب الإعتراف بأنه قد يكون بعض من أعضائها ممن ينتمون لهذا الحزب السياسي أو ذاك، ولكن قطعاً لا تمثل هذه الفئة نسبة كبيرة؛ والدليل على ذلك تناقص الرغبة، بشكل عام، لدى الشباب وعزوفهم عن الإنخراط فى الأطر الحزبية لسبب بسيط وهو عدم مواكبة هذه الأحزاب للمتغيرات في الحياة السياسية وغياب الحرية والممارسة الديمقراطية الحقيقية داخل هذه الأحزاب، بالإضافة لعدم وجود برامج تلبي طموحات هؤلاء الشباب وتستفيد من طاقاتهم وتجذبهم للإنخراط في العمل الحزبي المنظم من خلال الأحزاب السياسية الحالية.
أيضاً يجب الإشارة للتضحيات الجسام التي قدمها الشباب من خلال التظاهرات السلمية التي إنتظمت البلاد وظلت مستمرة بلا توقف منذ إنقلاب الخامس والعشربن من أكتوبر 2021 الذي أطاح بحكومة الفترة الإنتقالية بقيادة الدكتور عبد الله حمدوك؛ إذ ساهمت هذه التظاهرات بشكل أساسي في إبقاء جذوة الثورة متقدة، علاوة على ما ترتب بفضل ذلك من ضغوط على المتنفذين والممسكين بالقرار السياسي في البلاد؛ وهو ما أفضى إلى التفاهم السياسي الذي حدث مؤخراً بين المؤسسة العسكرية وبعض القوى المدنية أو ما بات يعرف بالإتفاق الإطاري.
ولكن رغم هذا الدور الكبير الذي ظلت تلعبه (لجان المقاومة) في توجيه (البوصلة السياسية) في البلاد، إلا أنه كان بالإمكان أن يكون دورها أكثر تأثيراً وإيجابية لو أنها إبتعدت عن الأحزاب السياسية بكل تعقيداتها وتشابكاتها؛ وكونت لنفسها جسماً منفصلاً من خلال تأسيس منظمة مدنية تضم كافة أعضاءها وتعمل من خلالها على مراقبة الأداء السياسي وتشكيل وسيلة ضغط على متخذي القرار السياسي والإقتصادي بما يتوافق مع المصلحة العامة للبلاد وبعيداً عن الأطر الحزبية الضيقة والتجاذبات والتقلبات السياسية المعهودة.
وحتى تتمكن (لجان المقاومة) من القيام بهذا الدور الهام في مراقبة الأداء السياسي وصون المصلحة العامة؛ يلزمها النأي بقراراتها ومساراتها عن الأحزاب السياسية؛ وإلتزام جانب المصالح العليا للبلاد برغم أن بعضاً من أعضائها ربما ينتمون لبعض الأحزاب السياسية وتلك بالطبع مهمة شاقة على أصحابها للمواءمة بين الموقفين.
من الواضح للعيان أيضاً التكالب والتنافس المحتدم على أشده بين الأحزاب السياسية لاستمالة شباب لجان المقاومة، حيث تسعى كل الأطراف لكسب (لجان المقاومة) بجانبها وإعتبارها تابعة لها كأداة من أجل الكسب السياسي وتحقيق أجندة حزبية ضيقة لا تراعي المصالح العليا للبلاد.
ولذلك لابد للجان المقاومة من الإنتباه لهذا الفخ، بأن تسعى بجد أن تكون توجهاتها قومية ووطنية خالصة وتراعي فقط المصلحة العليا للبلاد؛ كما ينبغي أن تحصر لجان المقاومة دورها خلال الفترة الإنتقالية على مراقبة الأداء ومحاولة تقويم المسار السياسي والإقتصادي بتشكيل وسيلة ضغط (مجتمعي) من خلال التظاهرات السلمية والبعد عن المشاركة في العمل السياسي والتنفيذي المباشر في حكومة الفترة الإنتقالية؛ بالطبع يمكن أن يتغير هذا النهج بعد إنقضاء الفترة الإنتقالية.
ختاما نأمل أن نرى تحركات جريئة من الشباب القائمين على إدارة هذا الكيان الهام (لجان المقاومة) والذي أصبح يشكل علامة فارقة، وربما وسيلة ضغط من أجل مخرج مناسب للبلاد من سيطرة الأحزاب السياسية ونخبها العاجزة إلى آفاق أرحب وأوسع، تجني بموجبها البلاد مردود التضحيات الكبيرة التي قدمها هؤلاء الشباب في سبيل تغيير الواقع السياسي والإقتصادي الحالي.