مقالات

محجوب مدني: الفرق بين المغفل والمستغفل

محجوب مدني محجوب

المغفل هو مغفل لوحده لا أحد يريد منه أن يكون مغفلا يذهب لشراء بيت مثلا فينخدع في نوع البيت وفي ثمنه، فهذا يقال عنه مغفلا كما تستخدم هذه الكلمة كثيرا في عدم استيعاب البعض للإجراءات القانونية، فيوقع على مكتوب لا يدرك ما بداخله، فيكتشف – بسبب توقيعه على المكتوب – أنه فقد كل حقوقه، وعندما يذهب للقضاء متظلما لا يجد ولا يخرج بشيء، فيقال له: القانون لا يحمي المغفلين.
هذا هو المغفل فمن هو المستغفل؟
المستغفل هو شخص واع جدا لقضيته ويدرك تماما ما يقول وما يفعل، ولا تخفى عليه نوايا من يتعامل معه، ولا تفوته ثغرة حتى لا تستخدم ضده لكن رغم كل ذلك الكل يريد أن يستغفله، وأن يثبت عليه صفة الاستغفال بغرض إشغاله عن قضيته الأساسية وإبعاده عنها.
فالذي يريد أن يستغفل شخصا في شراء بيت يحاول هو من عنده أن يخدعه بمعلومات كاذبة، ويضع أمامه صورة غير موجودة عن البيت، ومميزات لا يتصف بها البيت كل ذلك من أجل أن يوقعه في شراك الشراء، فإن استجاب المشتري لهذه المعلومات الزائفة، فيقال له قد استغفلك فلان أي استجبت لتغفيله لك.
فالمغفل هو مغفل لوحده لا أحد يعمل على استغفاله.
هو وحده لا يعرف ربط الأمور ببعضها البعض.
أما المستغفل فإن استغفاله يأتيه من غيره، فهو ليس مغفلا لكن من يتعامل معه يريد أن يجعله مغفلا.
فإن استجاب لخديعته صار مغفلا، وإن لم يستجب فإن صاحب الاستغفال فشل في تمريره عليه.
الثوار ليسوا مغفلين فهم مدركون لأهدافهم يفهمون جيدا ماذا يطلبون.
إلا أن من يوجد في الساحة يريد أن يستغفلهم أي يريد أن يجعل منهم مغفلين.
مرت على الثورة الآن قرابة الثلاث سنوات ولم يستطع من حولهم أن يستغفلهم بدليل أنهم لم يستجيبوا لكل هرطقة، ولم تنطلي عليهم كل الحجج الزائفة التي تلقى عليهم تباعا وتكرارا من أجل استغفالهم.
صحيح تمت عبر الثورة تحقيق مآرب للكثيرين، وتم عبرها تجاوزات من أجل تحقيق أهداف خاصة.
لكن ما يريد تحقيقه من يستغفل الثوار ليس الاستفادة منهم بل يريد أن يزيل قيمتها وأهدافها وأنها مجرد كذبة لا أكثر
أسباب كثيرة لن تجعل الشباب يقعون في فخ من يريد أن يستغفلهم لعل أهمها:
* ضعف هذه الحجج والخدع وانكشافها للكل.
* تكرارها على المدى القريب والبعيد، فلم يعد يستجيب لها أحد.
* تكاتف وتعاون هؤلاء الشباب مما جعل الحماس لا يفتر عندهم واليأس لا يسيطر عليهم.
* أرواح الشهداء التي راحت من أجل أهدافهم جعلتهم متمسكين بثورتهم حتى لا تفقد هذه الدماء قيمتها وثمنها.
* الميديا ووسائل التواصل التي أغنتهم عن الاجتماعات التقليدية كما أغنتهم عن التلاعب بالمعلومات أو إخفائها أوتحويرها.
فمن يريد أن يستغفل هؤلاء الشباب في تضييع ثورتهم، فسوف يجد أن هذا الاستغفال عاد عليه دون أن يشعر.
ومن يريد أن يوقع هؤلاء الشباب في فخ استغفالهم، فهو يعمل على إيقاع نفسه في هذا الفخ دون أن يعلم.
فأكبر ما يقع فيه هؤلاء الذين يستغفلون شباب الثورة هو عدم إدراكهم على أن الأجيال تغيرت.
عدم إدراكهم على أن الوسائل التقليدية الفجة التي كانت مقنعة في السابق لم تعد مقنعة، ولم تعد مفيدة اليوم.
عدم إدراكهم أن مصادر المعرفة لهؤلاء الشباب ليست فقط تعددت بل صاروا يحصلون عليها من أعدائهم أنفسهم دون علم منهم ودون أن يشعروا.
يرددون لهم بأن من يشجعكم على الثورة يريد بذلك أن يستغفلكم.
يريد أن يستعملكم درعا وجسرا لمصالحه وأهدافه.
حسنا فليكن هذا الكلام صحيحا لماذا يتم الإصرار عليه كل هذا الإصرار؟
الأمر الذي يدل على أن هذا الإصرار خلفه ألف سؤال.
فهل بسبب الحرص على مصلحة الشباب؟
وإن كان الأمر كذلك ما الذي تم فعله من أجلهم؟
هل أوقفتم قتلهم؟
هل عاقبتم من اعتدى عليهم؟
بل هل واسيتم من تأذى من هذه المظاهرات؟
سياسة الاستغفال سياسة ساذجة وفاشلة، ولن تنجح بل تحمل أسباب فشلها في حججها نفسها.
والهجوم الذي تلقيه على الآخرين يرتد عليها.
والاستغفال الذي تريد ان يتلبث به الآخرون سيتلبثها هي، وسيتعلق ويرتبط بها هي لا غيرها.
فكفوا يا من تستغفلون الشباب، فسياستكم هذه ليست تدل على سذاجتكم بل ستثبتون بها غباءكم، وبالتالي سوف لن يكون لها أي أثر على الشباب سوى أنها ستزيدهم قوة وطاقة واندفاعا لتحقيق أهدافهم.

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى