هنالك فرق
مني ابو زيد تكتب :
ظل رجل..!
“ضاع المثل المصري القائل ظل رجل ولا ظل حائط، فقد أصبح الرجال يهابون الشمس ويجلسون في ظل الحوائط”.. محمد مستجاب..!
لاحظت أن مجالس النساء باتت تشهد تكثيفاً مخلاً في تناولها لقضايا الاحتيال المادي المرتبط بالتدليس العاطفي، وكيف أن “الضحية تكون في الغالب امرأة تأخر زواجها يحدث أن يعدها رجل ما بالزواج ثم يستولى على بعض أو كل مالها، قبل أن يفر فرار المجذوم تاركاً وراءه جريمة احتيال مكتملة الأركان”..!
لاحظت أيضاً أن هذا السلوك الذي بدأ يرتقي مراقي الظاهرة يُعيد صياغة التصنيف الاجتماعي للعانس. فالصورة النمطية للعانس أيام زمان كانت امرأةٍ في منتصف أو نهاية الأربعينات، شحيحة الجمال أو بها عِلِّة خارجيةٍ ظاهرة، أو جميلة الشكل، لكنها متمردة تتبنَّى موقفاً عدائياً من الرجال، أو أخرى منكسرة يلازمها نحسٌ أو قلة حظ..!
كانت العانس النمطية خالة أو عَمّة تتحوّل بمرور الوقت إلى أمٍّ بديلة لأطفال العائلة، أو موظفة حكومية من ذوات الدخل المتواضع والمظهر المتواضع والحظ والنصيب المتواضع، وهي بعد ذلك كلَّه امرأةٌ قنوعٌ “تباصر” شؤونها بهدوء الذين تعوَّدوا على الواقع، لا يفارق “الرحمن” قلبها ولا تركض وراء أي رجل، بل إنها – رغم النبيشة – قد تُفضِّل العنوسة على الزوج المائل..!
أما اليوم فقد مزَّقت يدُ التغيير تلك الصورة القديمة، فالعانس العصرية اليوم هي فتاة بلغت أو جاوزت منتصف الثلاثين، جميلة في الغالب الأعم، متعلِّمة، جامعية، فقيرة حيناً، أو من أسرة ميسورة الحال أحياناً، لكنها في كل الأحوال امرأة تسعى للفوز بالطقوس الشكلانية والتفاصيل الاجتماعية للسيدة المتزوجة وليس الفوز بالزواج نفسه..!
وهي قد تنجح في إدارة مؤسسة بأكملها، وقد تمتلك سيارة يكفي ثمنها لشراء بيت فاخر، لكنها نادراً ما تنجح في إدخال رجلها المنشود قفص الزوجية. ليس لأنها لا تجيد فنون الإقناع، بل لأن لون قفصها لم يعد ذهبياً في عيون معظم الرجال الذين تحاول أن تضبط مقاييسهم على باترون شروطها..!
والحقيقة أنّ هذا التناقض الكبير ليس صنيعتها، بل يأتي انعكاساً منطقياً لمتغيراتٍ كثيرةٍ طرأت على صفات الرجل “العريس” نفسه. لقد أخضع المبضع الذكوري الجائر – في أيامنا هذه – لامح العلاقة العاطفية بين الرجل والمرأة إلى عمليات تجميلٍ إجبارية شوَّهت معالم الرجولة قبل أن تُغيِّر وجه الحُب..!
وهكذا فشلت العملية وانهارت القيم. معطيات الواقع الجديد تقول بأنَّ رجل اليوم بات هو الذي يتمنَّع ويتدلَّل، يقدِّم رِجلاً ويؤخِّر أخرى قبل أن يتّخذ قرار الارتباط بالفتاة التي شاركته شرب البارد وقضم السندوتشات في سنوات الدراسة ومرحلة “العطالة” طويلة الأجل..!
الحقيقة المؤكدة – رغم صعوبة الجهر بها – هي أن اقتناع أغلب الرجال العازبين اليوم بمكانة النساء وبجدوى مصارعة الفقر والحاجة لإعالتهن قد انهار تماماً، وعليه فقد تبدَّلت مبررات انجذابهم نحوهن، فباتوا يفضلون صُحبتهن العجولة على رفقتهن المأمونة. يعني باختصار عوانس اليوم هن صنيعة الراهن الاقتصادي..!
munaabuzaid2@gmail.com