على أيام هوجة ولهوجة وهيجان نظام (الانقاذ) البائد، قال شاعر الشعب ولسان حال أوجاعه وهمومه محمد الحسن سالم حميد رحمه الله، وهو يصف المآل المؤسف الذي انتهت إليه أوضاع البلاد بعد طول معاناة ومكابدة وأمل وترقب لحال أفضل، فإذا به يفجع بما هو أسوأ بعد انقلاب الجبهة الاسلامية.. من الواسوق أبت تطلع من الابرول أبت تطلع من الأقلام أبت تطلع من المدفع طلع خازوق خوازيق البلد زادت.. فما عساه يا ترى سيقول حميد لو قدر له أن يشهد حال البلد اليوم، يقيني أنه سيقول أن خوازيق البلد زادت خازوق بعد انقلاب البرهان وحميدتي.. ليس في المشهد الآن غير الضوائق والأزمات والتوترات، أينما يممت وجهك فثمة مشكلة أو أزمة..صراع وتوتر سياسي محتدم، واتهامات وتخوينات متبادلة، وأزمة اقتصادية مستفحلة وتهاوي مستمر للعملة الوطنية، وأزمة وتوترات جراء قرارات البنك المركزي، وصراع وتوتر داخل الحركة الشعبية شمال، وتوتر واستقطاب مابين الانقلابيين العسكريين ومناصريهم من الانقلابيين المدنيين، والأحزاب والكتل والمكونات المناهضة للانقلاب والمصممة على اجهاضه، وتظاهرات مستمرة بلا انقطاع يقابلها الانقلابيون بعمليات قتل واعتقالات متواصلة، بل حتى الوسط الرياضي لم ينجو من التوترات، توتر وصراع حول رئاسة المريخ وقضايا واستئنافات، وكذا الحال في الهلال، وصراع آخر بين أندية الممتاز واتحاد الكرة العام حول برمجة منافسات الدوري الممتاز، وفوق هذا كله وقبله هناك الصراع الأكبر الذي يخوضه الثوار بشكل شبه يومي ضد الانقلاب، والصراع الاخر اليومي الذي تخوضه الجماهير مع الغلاء وما تخلفه هذه المعركة غير المتكافئة من احباطات وتوترات، جراء هذا الطرق المؤلم المتواصل الذي يقع على أم رأسها حتى أفقدها القدرة على التفكير والحراك، وليس من وصف عام يلخص هذه الحالة العامة سوى أنها حالة ضعف عام اعترى الجميع في كل قطاعات المجتمع وحيواته، سياسية كانت أو اقتصادية أو اجتماعية أو رياضية، ضعف ضرب كل الاتجاهات وعم كل الأوساط، ضعف في ادارة كل أوجه الحياة.. هذه الصورة العامة المؤسفة عن حالة الضعف العام التي تكابدها البلاد الآن، ليتها ينطبق عليها بيت الشعر الشهير (ولرب نازلة يضيق لها الفتى ذرعا وعند الله منها المخرج..ضاقت فلما استحكمت حلقاتها فرجت وكنت أظنها لا تفرج)، نقول ليتها كانت مثل نازلة هذا الفتى التي فرجت أخيرا، ذلك أن نوازلنا على قول الساخرين (ضاقت فلما استحكمت حلقاتها ضاقت تاني)..ان هذه الصورة الكالحة الجالبة للتعاسة والتوتر تعيد للذاكرة حكاية ذلك الشيخ الالسكي، والحكاية تقول (في أقصى شمال الاسكا يعلن الشيخ عند شعوره بالضعف أنه ذاهب الى النهر الأصغر والنهر الأصغر هو سراب صحراء الجليد، أهله يظلون واجمين والشيخ يجمع حزمة من الأعواد الجافة يعلمون جيدا ما سيفعله بها..الشيخ ذهب وحيدا في غابة الثلج والسنديان، حتى اذا أدركه الليل السريع جعل يوقد الأعواد الجافة وهو يعلم أن مئات الذئاب تلمع عيونها على بعد أمتار منه، والعيون تنتظر ذبول آخر جذوة من اللهب، والشيخ يظل يناغي ذؤابات اللهب والعيون حوله تبرق والشفاه تتلمظ، وكلما خشي أحد الذئاب أن يسبقه الآخرون تقدم أكثر الى أن باتت العيون تحدق في العيون..حتى اذا شهقت آخر ذؤابة من اللهب وثبت الذئاب على آخر شهقة من الشيخ..وعبرة هذه الحكاية مؤداها أن الضعف هو شئ أسوأ من الموت، وأن تواجه الذئاب خير من أن تواجه الضعف..