تقرير: هبة محمود
في تصاعد جديد لمشهد الأحداث في السودان، عدد من القضايا شغلت الساحة السياسية يوم أمس، لا تقل إحداها عن الأخرى، في وقت ينتظر فيه الكثير من السودانيين بشريات الوفاق، والخروج من نفق الانتقال المظلم الذي دخلته البلاد، وفيما تتسارع الأحداث في كل يوم عن الذي يليه، يصبح الأفق سهلاً للكثير من التكهنات حول مآلات الوضع الذي مع زيارة المبعوث السيادي لتل أبيب، وحالة الغليان بسبب لجنة التفكيك وحرب التصريحات من قبل قادتها حد اتهام رئيس مجلس السيادة بالتستر على عمليات تهريب الذهب، وكذا التعقيدات في ملف أسر الشهداء بالبحث عن وسائل تسوية، يزداد تعقيداً.
حراك (سري) بشأن عملية التطبيع وتعزيز العلاقات مع إسرائيل يمضي في خطوات حثيثة، على الرغم من حالة التكتم من قبل المكون العسكري، الذي يعتبر أكثر حماساً لإكمال هذا الملف للعبور بالبلاد من وهدتها، وتحقيق مكاسب وفق متابعين هي الأكبر بالنسبة لهم على مستويات عدة، في مجملها البحث عن ضمانات وعبور آمن من مساءلات المحكمة الجنائية، إضافة إلى صفقات تتعلق بالتزويد بالأسلحة، فقد أبلغ مصدر مطلع أمس الأربعاء وكالة الأنباء البريطانية “رويترز”، إن مسؤولاً سودانيا يزور إسرائيل حالياً سعياً لتعزيز العلاقات، وأضاف المصدر وفقاً للوكالة أن المبعوث الرئاسي وصل إلى إسرائيل في بداية الأسبوع، ولم يصدر تأكيد بعد من المتحدثين باسم الحكومتين الإسرائيلية أو السودانية، ما يطرح تساؤلاً حول الدواعي الحقيقية لزيارة المبعوث السيادي؟ وما حقيقة البحث عن ضمان إسرائيلي أمريكي للبحث عن مخرج آمن؟
صفقة سرية
يبدو أن عملية التطبيع تعد شائكة ومعقدة بالنسبة للمكون العسكري من ناحية الإعلان على ملأ المشهد المأزوم، والمعتقدات الدينية للشعب المكلوم، ما يجعل المهمة معقدة أمام البرهان سيما عقب ردود الفعل التي صاحبت زيارته السرية ليوغندا ومنها إلى ضاحية عنتبي اليوغندية التي التقى فيها رئيس الوزراء الإسرائيلي وقتها بنيامين نتنياهو سرا في زيارة يحيطها الغموض، في فبراير ٢٠٢٠، حيث كان رئيس الوزراء الإسرائيلي يسعى من خلال اللقاء، إلى كسر طوق ملف التطبيع مع السودان، بعد أن ظل عصيا لعقود طوال، وعلى الرغم من كسر الطوق إلا ان تعقيدات الوضع في ظل شراكة العسكر والمدنيين التي كانت تستوجب التوافق بين الطرفين، أدت إلى تعطيل الملف عند التوقيع على اتفاقية إبراهام، على أن يتم استئنافه عقب الفراغ من تشكيل المجلس التشريعي، ولكن تعقيدات المكون المدني أيضا، فيما بينه عطلت تشكيل المجلس. وفيما يرى خبراء في الشأن السياسي أن الأمر أصبح لا يحتاج للسرية، يرى بالمقابل آخرون غير ذلك، مصادر مطلعة تحدثت لـ (الإنتباهة) عن ثمة صفقة سرية بخلاف ملف التطبيع تسعى لها الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل معا لتهدئة المشهد في البلاد وهو بإبعاد العسكريين من المشهد وإيجاد خروج آمن لهم، وتذهب المصادر في حديثها إلى ضرورة ربط تصريحات الحرية والتغيير خلال المؤتمر الصحفي أمس الأول عن فترة انتقالية قوامها عامان وإبعاد العسكر من المشهد، وتؤكد في السياق نفسه أن أهم ما يؤرق العسكر هو ملفات الجنائية والشهداء، أما بالنسبة لحميدتي فإن أكثر ما يؤرقه هو بروتوكول الترتيبات الأمنية الذي يعتبر مهددا لقواته.
تباين
وبحسب المحلل السياسي خالد البشير فإن زيارة المبعوث السيادي الخاص لإسرائيل تأتي في إطار تعزيز العلاقات في المقام الأول وأيضا في إطار التسوية الشاملة وتهيئة المشهد لفترة انتقالية آمنة تليها انتخابات حرة لان الوضع الراهن في البلاد محتقن ولابد أن تكون هناك تسوية. ولا يستبعد البشير في حديثه لـ “الإنتباهة” أن تكون مبادرة فولكر بمعزل عن أمريكا وإسرائيل، كما توقع ان تكون الولايات المتحدة الأمريكية قد بدأت مشاورات بهذا الشأن في الخرطوم قبل أن ينتقل هذا المشهد التفاوضي لتل أبيب، لاعتبار أنها المحور الأساسي في لعبة الحلقات المرتقبة بين الخرطوم وتل أبيب بحسب تحليله، وذكر أن أمريكا ترعى المصالح الإسرائيلية، كما أنها في المقابل تريد أن تجمل وجهها أمام الكيان الصهيوني باعتبار انه واحدة من الملفات التي دفع بها جو بادين.
في المقابل استبعد المحلل السياسي وأستاذ العلاقات الدولية الرشيد محمد ابراهيم أن تكون زيارة المبعوث السيادي لتل أبيب خارج إطار تعزيز العلاقات.
ويستبعد الرشيد في حديثه لـ “الإنتباهة” أي حديث عن تسوية تبعد العسكر عن المشهد السياسي مستندا إلى تصريحات البرهان السابقة عن عدم تسليم السلطة إلا في حالة توافق سياسي او الانتخابات.
فلاش باك
وبدأت عملية التطبيع مع إسرائيل في ظل سعي الحكومة الانتقالية، إلى الانفتاح الخارجي والبحث عن مخرج وموارد نقدية لإدارة الأزمة الاقتصادية الطاحنة، والتي دفع ثمنها الشعب السوداني عقب حالة التشظي بين المكونات الحاكمة، وذلك بأن التقى البرهان مع رئيس الوزراء الإسرائيلي في مدينة عنتبي بيوغندا بواسطة الرئيس موسيفيني، للتفاكر حول الخطوة والضمانات في مقابل تنفيذها، وكان الثمن مقابل التطبيع هو رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على السودان ورفع اسمه من قائمة الدول الراعية للإرهاب. وتوالت عقب ذلك الوفود الإسرائيلية إلى الخرطوم، وفي يناير تم التوقيع على اتفاقية إبراهام، وهي اتفاقية فرعية ملحقة باتفاقية التطبيع، ونصت على ضرورة ترسيخ معاني التسامح والحوار والتعايش بين مختلف الشعوب والأديان بمنطقة الشرق الأوسط والعالم، بما يخدم تعزيز ثقافة السلام.