مقالات

عبد الباسط شاطرابي يكتب.. القرار المنتظر !

مأزق القيادة العسكرية الحالي ليس جريمة فض الاعتصام رغم الشواهد التي تؤشر صوب هذا الاتجاه. كما أن مأزقها ليس انقلاب 25 أكتوبر ضد الشرعية وسقوط الضحايا رغم اجتهاد المجتهدين بتسمية ما جرى “حركة تصحيحية”. لكن المأزق الحقيقي الماثل الآن هو الرفض المطلق لهذه القيادة من القوى الحية في الشارع.
كذلك لم تعد المزايدة على القوى الحية ذات جدوى، فالأمر بدأ بتبخيس أعدادها من بعض (الاستراتيجيين)، ثم انتقل إلى التشكيك في نضج جموعها واتهام الحزب الشيوعي باستغلالها وتضليلها. ثم أخيرا انتهى الأمر بالتلويح (بالشارع الآخر) الذي يمكن تحشيده .. بالطرق التي باتت معروفة للجميع!
القوى المدنية الفاعلة بينها ما بينها من خصومات، وبينها ما بينها من خلافات سياسية، كما أنها قد لا تلتقي إلا في الحدود الدنيا من أساليب العمل، ومع ذلك ها نحن نراها الآن متوحدة بشكل مدهش على الحكم المدني الخالص الذي يستبعد أي وجود للجنرالات في المشهد السياسي، بل حتى الجنرالات أنفسهم يقرون بأن المدنية هي الخيار الأوحد، غير أن الخطى الحقيقية لتنفيذ هذا الخيار نراها غائبة بالكامل.
حتى القلة القليلة جدا التي تبرز مدافعة عن الانقلاب، تخسر كل يوم وهي تستميت في رمي الشارع الثائر بأنه يستهدف جيش السودان، في وقت عبر فيه هذا الشارع بوضوح تسمعه صم الآذان بـ (جيش واحد شعب واحد)، وأن (الجيش ما جيش برهان، الجيش جيش السودان) وكأن هؤلاء القلة لم يسمعوا الفريق البرهان نفسه يردد أمام جنوده، في موقف يحسب له، بأن الجيش هو ليس جيش البرهان.
لقد ذهب الكثير من المدنيين من مواقع القرار كان آخرهم حمدوك، ولم نر ذهاب أي من القادة الحاليين ليفسحوا مجالا لقيادات أخرى مقبولة في الشارع تستطيع الترتيب الفعلي للحكم المدني المعبر عن كل فئات الشعب دون (وصاية) من فصيل على آخر.
في رأيي، خسر البرهان الشارع .. ولا أراه قادرا حاليا على مخاطبة الجموع المدنية في الشوارع وجها لوجه، لكنني أرى أنه قد يكون قادرا على تسجيل هدف تاريخي يخفف من الاحتقان إذا اختار الانسحاب من المشهد، وإتاحة قيادة عسكرية جديدة، بوفاق مدني عسكري، بعيدا عن الوجوه التي صحبته خلال الفترة الماضية.
وعلى الشارع من جانبه تهيئة أرضية لهذا الانسحاب، بحيث يعرف قادة الحراك والمؤثرون فيه أن الانتصار له أثمانه أيضا، وتلك، للأسف، بعض فواتير الدنيا لمن يريد خوض غمارها.
التضحية هي التوأم السيامي للانتصار، فلا (فوكلر) ولا (الهتاف) ولا (البمبان) ولا حتى (الرصاص) يحقق الانتصار .. وهي معادلة يجب أن يعيها الجميع، بدل الانزلاق الكامل لهوة لا يعرف قرارها أحد.

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى