مقالات

محمود الورواري يكتب: السودان والجزائر وبينهما الفترة الانتقالية

*ثمة مقارنات لها مبررها بين الحالة التي آلت إليها الأمور في السودان وفي الجزائر أيضاً.

*مقارنة الاستقرار تميل إلى الجزائر أكثر رغم أن المسار الذي سلكته الدولتان متشابه في الحراك والاحتجاجات ومختلف في النهايات، لكن ما هو السر الذي أفسد على السودان طريقه في الوصول إلى حكم مدني ينتج من انتخابات ديمقراطية رئاسية وبرلمانية؟

*السر يكمن بشكل رئيسي في الفترة الانتقالية التي تم تحديدها للخروج من الاستثناء الثوري إلى الاستقرار السياسي التشاركي.

*في الجزائر، كانت المادة «102» من الدستور هي الرافعة التي استند إليها رئيس الأركان أحمد قايد صالح – رحمة الله عليه – لتكون الفاصل بين زمنين سياسيين، زمن ثوري قاده الحراك الجزائري بكل تفاعلاته وزمن آخر عنوانه بوتفليقة.

*تلك المادة تعالج الحالة التي يتعذر فيها على رئيس الجمهورية القيام بمهامه الدستورية والوظيفية بسبب مرض أو مانع آخر، وتسمح لرئيس مجلس الأمة برئاسة البلاد لمدة 90 يوماً يتم خلالها عمل انتخابات رئاسية وبرلمانية.

*هذا ما تم فعلاً؛ فقد اجتمع البرلمان بغرفتيه (مجلس الأمة ومجلس الشعب) وقرر تفعيل المادة 102 بعد أن قدم الرئيس بوتفليقة استقالته.

*شكّلت تلك المادة في الحالة الجزائرية الرافعة التي أجريت عبرها الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، وجاء الرئيس عبد المجيد تبون ليتولى رئاسة الجزائر، ومعه جاء البرلمان بغرفتيه عبر انتخابات اعترض عليها من اعترض وصفق لها من صفق، لكن في المحصلة أصبحت الدولة الجزائرية مكتملة المؤسسات، وتحقق للشارع أهم ما أراد، وهو تغيير النظام السياسي والمجيء بنظام سياسي جديد.

*إذن، الجزائر قفزت بمرحلتها الانتقالية في أشهر معدودة، ثلاثة أشهر فقط، وقطعت على أصحاب الهوى السياسي زمناً انتقالياً طويلاً كانوا يحتاجون إليه في إعادة تدوير الأمور لصالحهم.

*ما حدث في السودان على عكس الحالة الجزائرية تماماً، رغم أن الاحتجاجات السودانية كانت سبّاقة عن الجزائر، فقد اندلعت في ديسمبر (كانون الأول) 2018 بفارق شهرين عن الحراك الجزائري الذي اندلع في 22 فبراير (شباط) 2019.

*كانت خطوات الانتقال السوداني تتم بوتيرة أسرع من نظيرتها في الجزائر؛ إذ شهد شهرا يوليو (تموز) وأغسطس (آب) من عام 2019 الاتفاق والتوقيع على الوثيقة الدستورية التي تمهد لبدء مرحلة انتقالية تؤدي إلى حكم مدني، وتوزع بدقة الشراكة السياسية بين المكونين المدني والعسكري.

*فعلاً، وقّع محمد حمدان دقلو، على الوثيقة الدستورية ممثلاً عن المكون العسكري ورفعها بكلتا يديه الفريق عبد الفتاح البرهان ليعلن بداية مرحلة انتقالية تشاركية تمتد إلى 39 شهراً.

هكذا فعل أحمد ربيع الذي وقّع نيابة عن «قوى الحرية والتغيير» الممثلة للمكون المدني.

*تسعة وثلاثون شهراً مرحلة انتقالية، أي ثلاثة أعوام وثلاثة أشهر أريد أن تكون فاصلاً بين زمنين، زمن ثوري وزمن مستقر، وبين حكمين، حكم البشير وحكم مدني يرجوه الجميع، وبين صراعين، صراع مدني وصراع عسكري.

*وقتها قال الفاهمون للحالة السياسية السودانية، إن الأزمة ستكون فيما اتفق عليه المكونان المدني والعسكري، وخصوصاً طول الفترة الانتقالية، التسعة والثلاثين شهراً.

*ثانياً، تقسيمة الحكم بين المكونين خلال هذه الفترة، حيث يتولى المكون العسكري رئاسة المجلس السيادي في البداية لمدة 21 شهراً، ثم يسلم الحكم للمكون المدني ليدير البلاد لمدة 18 شهراً

مع الوقت أثبتت الأحداث جملة من الأخطاء، لعل أبرزها أن الطرف القوي، وهو المكون العسكري، ما كان يجب أن يتولى رئاسة المجلس السيادي في البداية، وإنما كان يجب أن يتولى المكون المدني «الحرية والتغيير» الرئاسة في الأشهر الثمانية عشر الأولى… لماذا؟

*لأنه، وببساطة، لا يستطيع الطرف الضعيف، وأقصد هنا الذي لا يملك سلاحاً ولا أجهزة أمنية أن يراوغ في التسليم مع الطرف القوي.

*الخطأ الآخر، أن الطرف القوي، وهو المكون العسكري، حين جلس على كرسي الحكم ومع طول الفترة الانتقالية استطاع أن يعيد ترتيب كثير من الواقع السياسي لصالحه ويكوّن طبقة مصالح سياسية ومنتفعين.

*لعل الذي ساعده على ذلك ضعف القوى المدنية وتفتتها، وهذا ظهر واضحاً حين بدأت الانشقاقات تضرب «الحرية والتغيير» حتى وصلت إلى تأسيس «الحرية والتغيير – فرع الإصلاح» الذي ضم أحزاباً وحركات عدة موقّعة على اتفاق السلام.

*على مدار ثلاثين عاماً من حكم البشير تم تجريف المجتمع المدني وتزييف النخب وإفسادها، وبالتالي كانت المحصلة ضعف المكون المدني وعدم قدرته على لعب سياسة بمعناها الواقعي والتوحد حول مبدأ التشاركية والالتفاف حولة فكرة من دون شخصنة الأمور.

*على الجانب الآخر، ظهر المكون العسكري السوداني كمحصلة لموروث الانقلابات السودانية التي ظهرت مع أول بواكير الحكم السوداني بعد الاستقلال في ستينات القرن الماضي.

*وبالتالي، فلا القوى المدنية تخلصت من أمراضها، ولا المكون العسكري تخلص من موروثاته القديمة.

*النتيجة، أن كل طرف أدار المشهد من منظوره هو، وهو منظور الغنيمة وفقط.

نقلاً عن الشرق الأوسط

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى