تدخلت الشرطة أمس في خطوة تأخرت كثيراً لتشكيل طوق أمني، لحماية مجلس الوزراء من مسيرات الفلول المدفوعة المأجورة، ويواجه رئيس مجلس الوزراء حرباً ضروسا من كل الاتجاهات، يديرها العسكر شركاء الحكم، في خيانة واضحة للعهود والمواثيق والقسم، يستمرون فيها من أجل سعيهم الدؤوب للانقضاض على التحول الديمقراطي ومسيرة التغيير.
فالرجل ظل حريصاً على الالتزام بالوثيقة الدستورية واكمال عملية السلام وسعى جاهداً لكي يخرج البلاد من أزماتها الاقتصادية وعزلتها الدولية، كما انه تمتع بأدب القيادة وأخلاقها ، في الوقت الذي يواجه فيه معارضة غير نزيهة تمارس قتل الشخصية، وحرب الشائعات وتدمغه بأفظع وأبشع الصفات، ولكنه ظل يقبض على جمر القضية حتى لا ينكص الوعد الذي قطعه مع الشارع الثوري الذي اختاره .
وبالرغم من انه ظل متسامحاً ومحترما للشريك في الحكم، الا انه لم يجد أحداً يقف بجانبه عندما خرجت الفلول في مسيراتهم ضد حكومته، بل وجد الشركاء يقفون خلف الفلول يمهدون لهم الطريق ويدعمونهم مادياً ومعنوياً ويهيئون لهم الفرص.
فخيانة العسكر في مجلس السيادة، أكدها هذا الاعتصام الذي وجد من الرعاية والاهتمام العسكري مالم يجده الشعب نفسه، فكيف لمجموعة من الفلول تدفع لها مليارات الجنيهات للعيش برفاهية أمام بوابة القصر الرئاسي، ويطلب منها ان تهتف بشعارات الجوع.
والملاحظ للمسيرات المصنوعة واعتصامها المُعلب لم تأتِ عندما عاشت البلاد أسوأ ظروفها الاقتصادية عندما انعدم غاز الطبخ والوقود والخبز ووصل الدولار الي سعر جنوني، لم تخرج الجماهير وقتها، لكنها خرجت في وقت بدأت البلاد تنتعش اقتصادياً، ولأن الذين يقفون خلف السيناريو لا يريدون لهذه البلاد تقدما بسبب ( غبينتهم ) خرجوا الآن بهذه التمثيلية الهزيلة التي لن تفوت على وعي المواطن الذي أصبح يفقه في السياسية أكثر من أهلها.
ولكن يبقى السؤال الذي يطرحه الواقع، دولة رئيس مجلس الوزراء الدكتور عبد الله حمدوك في حماية من ؟
فالرجل عدد من قيادات الحركات، التي صافحته سلاماً، تكيد له ولحكومته المكائد وتحبك له الخطط، وتقف خلف الذي يحدث علناً، دون ان تستحي انها جزء من الحكومة، حميدتي والبرهان الرئيس للحكومة الانتقالية ونائبه، وجهان لعملة واحدة، يريدان الذل والهوان للحكومة المدنية ليحظى كل واحد منهما بالقبول الذي يفتقده عند الشارع السوداني ، وهما يدركان تماما أن لا قيمة لكل واحد منهما في ظل وجود حكومة مدنية بل العكس يتحسس كلاهما قلبه كل ما اقترب موعد التسليم حسب نص الوثيقة، لذلك يحرصان على ان يحدث شئ أكبر يجعلهما يستلمان مقاليد الحكم بلا انقلاب عسكري، أيضاً يواجه حمدوك عصابة من الفلول بكتائبهم ومجموعاتهم المنتفعة، التي تعاني من (حُرقة القلب ) بعد انقطاع الدعم المستمر من القيادات الكبيرة، فهذه يمكن ان تفعل كل شئ حتى تظهر شماتها في هذه الحكومة التي (قطعت عيشها).
لذلك ولطالما ان كل الذين حوله يعملون ضده، وان دعمهم للتحول الديمقراطي ماهو الا عبارات براقة يتحدثون بها فقط في اجتماعاتهم مع المسئولين من المجتمع الدولي، ولأن الأفعال أهم بكثير من الأقوال، فليس لحمدوك سوى حماية الشارع الذي يجب ان يكون خروجه هذه المرة مختلفاً، وان يعد العدة وكأنه يواجه البشير في بيت الضيافة عندما تشبث بمقعده، فالشارع من الآن وصاعداً لابد ان يلغي ثقته في البرهان وبقية اعضاء المكون العسكري في المجلس السيادي، وان لا تكون له ثقة أيضاً في بعض قادة الحركات المسلحة التي أثبتت ان لا علاقة لها بالوطن والمواطن، استغلت المناصب ومطية السلام لتضع يدها في يد النظام المخلوع، فنسي كل واحد منهم أهله في دارفور، الأموات الذين قتلوا غدراً وحرقاً واغتصاباً في عهد المخلوع، والأحياء الذين تاجروا بقضاياهم،
وقلت من قبل في هذه الزاوية ان مناوي لن يكتفي بحاكم دارفور حتى لو تقلد منصب رئيس الوزراء، مناوي مهمته شق الصفوف وشتاتها وخلق الفتن، قلبه وعقله الآن ليس مع دارفور، همه وخطته أكبر من دارفور ، تبدأ الآن أولا ً بهدم صرح المدنية ، وازالة آثارها ، وبعدها سيتجه للمؤسسة العسكرية ليزرع ذات الفتن بين قادتها، حتى يصل مايريد.
لهذا لابد من طوق حماية أمني يفرضه الشارع الثوري لحماية رئيس مجلس الوزراء، وحماية التحول الديمقراطي وحماية الثورة وأهدافها ومكتسباتها لابد من ثورة تغسل كل هذه الاشياء العالقة على الجدار والتي تحاول عبثاً تشويه الصورة الزاهية التي رسمها الثوار ودفع ثمنها شهداء ديسمبر المجيدة، لابد من توقيع على الدفتر ودرس جديد لأن بعض الذين شغلتهم مصالحهم الخاصة لم يستوعبوا الدرس جيداً .
طيف أخير:
تَدبُّ بِفَجْعِ الخِلِّ بالخِلِّ دَائِباً وتَسرِي لشتِّ الشَملِ في السِرِّ والجَهرِ
الجريدة