مقالات

حديث المدينة/ انقلاب تجريبي/ عثمان ميرغني

بغض النظر عن من يقف خلف المحاولة الانقلابية الفاشلة أمس، لكنها تبدو أقرب إلى “امتحان تجريبي” أشبه بذلك الذي يعقد في المدارس قبل شهرين من امتحان الشهادة السودانية.

رغم أن الشارع السوداني الذي أطاح بأعتى نظام دكتاتوري غير قابل للقبول بأية فكرة انقلابية، و تعلم من الانقلابات التي حفل بها تاريخه أنها لا تنجب الا مزيدا من الوبال ، إلا أن المثير للدهشة أن الشارع بدا غير مبال وينظر بريبة كبيرة لأخبار الانقلاب.

كانت الحياة عادية جدا في الخرطوم بل حتى في المناطق التي يفترض أنها “ميدان الانقلاب”.. وساعد على هذا الشعور غياب مظاهر الاحترازات الأمنية التي أحيانا تظهر لأحداث أقل كثيرا من حجم الانقلاب، و سؤال حاضر في الأذهان كيف أجهض انقلاب تمدد في أربع مواقع عسكرية متباعدة دون سماع صوت رصاصة واحدة؟

التسريبات خلال الأيام الماضية أفرطت في التلويح بانقلاب وشيك قادم، حتى الجهات الرسمية المحسوبة على الحكومة المدنية كررت الاتهامات بأن أحداث الشرق تمهيد لانقلاب عسكري، ومع ذلك لم يظهر مطلقا ماهي الترتيبات المضادة لهذا السيناريو المشؤوم.. و تجلى ذلك بصورة سافرة بعد اعلان نبأ فشل المحاولة الانقلابية كان واضحا أن لا أحد يملك خطة “ب” جاهزة للتعامل مع الانقلاب.

عضو مجلس السيادة الأستاذ محمد الفكي سليمان بث رسالة مفتوحة للشعب عبر وسائط التواصل قال فيها “هبوا للدفاع عن الوطن والانتقال “، كشف النداء والطريقة التي استخدمها غياب “الخطة ب” لمواجهة سيناريو انقلاب تفرط الحكومة المدنية في التنبؤ به وتحذر من أنه وشيك يقف خلف الأبواب و تمهد له أحداث الشرق المتواترة.

الانقلابات العسكرية ومن وحي سيرتها الطويلة في السودان لا تستأذن أو تحصل على ترخيص قبل وقوعها، ولهذا يبدو طريفا التصريحات المتواترة لمسؤولين مدنيين وعسكرين انهم لا يتوقعون انقلابا بحجة أن احدا لن يفكر في مثل هذه المخاطرة.. والحقيقة أن الذي يصنع فكرة الانقلاب ويزينها في عقلية الانقلابيين هو البيئة السياسية والاقتصادية التي تكابدها البلاد..

الاقتصاد المتآكل الذي ضرب المواطن في عز بيته وجيبه ليس وحده السبب في تراخي رد فعل المواطنين تجاه فكرة الانقلاب، بل يتضافر معها الاحتقان السياسي الذي يولد الشعور بالاحباط واليأس والطريق المسدود. والوضع السياسي في السودان حاليا لا يمكن أن يكون أسوأ مما هو عليه.. حاضنة سياسية حاكمة منقسمة على نفسها وغير قادرة على استكمال مؤسسات الحكم كالمجلس التشريعي والمحكمة الدستورية ومجلس القضاء العالي ومجلس النيابة الأعلى، مع غياب تام لأية رؤية وخطة استراتيجية تلهم مسار التنمية والنهضة.

في خطابه بعد فشل المحاولة الانقلابية طالب الدكتور عبدالله حمدوك الشعب السوداني بحماية (ثورته والانتقال الديمقراطي) ولكنه استدرك سريعا ان مؤسسات هذا الانتقال غائبة تماما، الثغرة الخطيرة التي قد تطيح بالحكم الانتقالي هي فشل شركاء الحكم في بناء مؤسسات حيوية بغيرها لا يستقيم قوام الدولة..

واضح تماما أن نتيجة “الامتحان التجريبي” هي سقوط بامتياز.

.

.

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى