الدكتورة مريم الصادق وزيرة الخارجية قالت أمس الأول في تنوير اعلامي كبير ومشهود أن الوزارة ترفع شعار (دبلوماسية فاعلة لبلد فقير).. سمعت التنوير شفاهة في الاذاعة لم أصدق ، قرأته في بعض الوسائط ظني الحسن بالوزيرة منعني ان أصدق.. دخلت صفحة الوزارة – شخصيا- و وجدت الخطاب الذي قدمته الوزيرة امام الاعلام وفيه العبارة صريحة ومباشرة.. و لم أجد الا “التحسبن” .. حسبنا الله ونعم الوكيل..
أفهم أن تحدد وزيرة الخارجية وتقرر نوع الدبلوماسية التي تنشدها فتقول (دبلوماسية فاعلة) لكن من قرر نيابة عن شعب السودان أنه (بلد فقير)؟؟ .. الأمر لا يتعلق بالأرقام والاقتصاد وكدر الحياة وشح الخدمات وانقطاع الكهرباء لساعات طويلة و انهيار النظام الصحي وكل هذه الشواهد والمشاهد (الاباحية) بحساب الدول المتحضرة.. الأمر يتعلق بموارد الدولة الطبيعية والبشرية والجيوبوليتيكية، هل نحن دولة فقيرة؟
رجل يمتلك عمارة في أرقى موقع في العاصمة، لكنه يتركها مغلقة لا يستثمرها ولا يسمح لغيره استثمارها ومقاسمته العائد، ويجلس أمام باب بيته مكسور الخاطر لا يملك ما يدفعه لتعليم أو حتى اطعام أسرته، هل هو فقير؟
وبعيدا عن مفردة “فقير” التي هي أقرب لاشانة سمعة السودان هل استخدام هذه الصفة في الشعار يحقق مصلحة للبلاد؟
في الدبلوماسية عادة تجتهد بعض الدول التي تعاني من ضعف اقتصاداتها لادراجها في قائمة الدول الأقل نموا Least Developed Countries وهي دول تحظى بمعاملة تفضيلية في المساعدات الدولية، وهي دول معرفة في قائمة رسمية ومنها السودان.
لكن الأمم المتحدة لا تسميها دولا فقيرة، بل تطلق عليها “الدول الأقل نموا” وفرق كبير بين توصيف دولة بالفقر و وتوصيفها أنها من الدول “الأقل نموا”..
الأمم المتحدة في تعريف الدول الأقل نموا LDC تعتبرها الدول التي تعاني من ظروف طبيعية أو كثافة سكانية فوق طاقتها بما يجعلها في حاجة للمساعدة الدولية لتطوير نفسها.
السودان بكل المقاييس دولة ثرية، بل وثرية جدا، فقد اجتمعت فيه الموارد الطبيعية مع البشرية وفوقها الموقع الجغرافي الفريد الذي يجعله مؤهلا يكون عاصمة أفريقيا لتوسطه بين الشرق والغرب والشمال والجنوب، وربطه بين الاقليم العربي والقارة الأفريقية.
لكن الأفدح في توصيف الدكتورة مريم للسودان بانه دولة فقيرة، انها بذلك تبعث برسالة سالبة للاستثمار الأجنبي، فرأس المال يبحث عن الفرص لا عن المخاطر، وتوصيف “فقير” يصدم حتى موظف البنك في التعامل مع فرد فضلا عن مستثمر مع دولة.
في تقديري الدكتور مريم ان كان هي صاحبة براة اختراع شعار “دبلوماسية فاعلة لدولة فقيرة” فقد ارتكبت خطأ كبيرا يجب تصحيحه بأعجل ما تيسر قبل أن ترتد علينا سهامه، أما ان كانت “الوزارة” بكوادرها الدبلوماسية وكل قطاعاتها هي التي اختارت الشعار فليس لنا سوى الدعاء “اللهم انا لا نسألك رد القضاء بل نسألك اللطف فيه” فهذه مصيبة مؤسسية..
وما أفدح مصائبنا المؤسسية.