النظام المخلوع بعدما سطا على السلطة في السودان سعى إلى قطع كل ما يوصل الشعب السوداني ببعضه ويوحد وجدانه، عطل كل شريان شعر أنه يمده بالحياة والنماء، ودمر كل المشاريع والقطاعات التي تخدمه وتجمعه وتسهم في نشر الوعي بين ربوعه، بل أزال حتى المناهج التعليمية التي تحتوي على ما يدعو إلى ذلك، وحاول أن يجعل الأقاليم غريبة عن نفسها وبعضها وبدأ يسرب إليها احساس الغربة والجفاء، وقد نجح إلى حد كبير وإن لم يسقط للحقت أقاليم أخرى بالجنوب الذي رحل فلم يسلم وحده ولا سلم السودان بعده.
تعتبرالسكة الحديد أهم مشروع نفذه المستعمر، ومع أنه فعل ذلك ليسهل على نفسه إدارة البلد إلا أنه ساهم في نشر الوعي وتحقيق الاستقلال وخروجه، لقد كانت السكة حديد الشريان الذي يغذي أجزاء السودان المختلفة بأسباب الازدهار ويعمق الروابط الاجتماعية بين مكوناته المتنوعة وجعل الشعب أكثر ترابطاًواختلاطاً وقربا من العاصمة دون أن يأتي اليها، وتعتبر السكة حديد من أهم دعامات الاقتصاد التيتدفع عملية التنمية.
النظام المخلوع ما أن وصل إلى السلطة حتى بدأ في تفكيك السكة حديد وتدميرها،ففصل خمسة آلاف من العاملين فيها وشرد الكفاءات التي كانت تحافظ عليها،بل سعى إلى اقتلاع القضبان وبيعها كخردة لشركات الحديد، لم يترك منها إلا أطلالاً وبقايا قطارات تسير بين مناطق محدودة احتفظ بها لتوفر له مناصب يستوعب فيها كوادره الفاسدين ولتبقى بوابة تسمح لهم بممارسة هواياتهم الشيطانية المفضلة وهي الفساد الذي لا يبرعون في شيء غيره، وبلا شك أصبح لزاماً على الحكومة الحالية إعادة الحياة إلى هذه الشرايين حتى يبدأ رحلة الازدهار.
يوم الاثنين الماضي أعلنت وزارة النقل رسميا إكمال الصيانة في شريان السكة حديد الذي يربط مدينة عطبرة ببورتسودان مروراً بـ “هيا”و”جبيت” و”سنكات” بعد توقف دام (16) سنة،واستقبل أهل إلشرق الرحلة بالدموع والزغاريد والفرح ونفس الفرحة اجتاحت عطبرة، وشرق السودان يعتبر واحداً من أكثر الأقاليم عزلة وإهمالاً وتخلفاً، رغم موقعه المطل على العالم وميزاته الفريدة التي تمنحه فرصة أن يكون أكثر الأقاليم ازدهاراً وتأثيراً على باقي السودان.
المؤسف أنه في نفس هذا الوقت الذي يستقبل أهل الإقليم هذه البشريات، هناك من يعمل على أن يبقى الشرق كما تركه النظام المخلوع حتى وإن استدعى الأمر فصله. ينادون بتقرير المصير ولا يدرون أي مصير سيكون في انتظاره إن تحقق الأمر، فقد قامت مجموعة بإفساد تلك الفرحة وقفلت الطريق أمام تلك الرحلة وتحول الأمر إلى لحظات من القلق والخوف والترقب، ولكن الرحلة اكتملت ووصل القطار (بور السودان) واستقبلوه بالدموع والزغاريد والفرح استقبال حبيب أخذته الغربة وانقطع خبره.
الأيادي الوطنية التي جعلت شريان عطبرة – بورتسودان يعود للعمل، انتقلت إلى العمل لإصلاح شرايين أخرى،وقريباً ستجري الحياة في كامل شبكة السكة حديد، كما تجرى الدماء في جسد الإنسان فينعم بالصحة والعافية.