يفترض أنَّ يكون الوسط الصحفي هو الوسط الوحيد غير القابل للانقسام والخلافات، بل ويجب أن يكون أنموذجاً للوحدة والتناغم، انطلاقاً من دوره السامي في التنوير والتعليم والإرشاد والرقابة وخدمة الدولة والمجتمع، وكذلك كان قبل أن تحل على السودان لعنة النظام المخلوع الذي سمم كل الأوساط في الدولة بفيروس الخلافات، فلم يسلم الوسط الصحفي وكانت إصابته قوية لدرجة أنه عجز عن إعادة بناء نفسه بسرعة بعد سقوط النظام. ورغم ذلك يجب أن يكون هو الأسرع التئاماً وتجاوزاً للخلافات حتى يكون قدوة لبقية الأوساط، وهي كلها الآن تعاني من حالة انقسامات وخلافات حادة عجزت عن الخروج منها.
كما يقال، إن تأتي متأخراً خير من أن لا تأتي أبداً، أخيراً تحقق الأمل الذي لطالما انتظره الوسط الصحفي طويلاً وهو يتوجس خيفة من أن يصل الانقسام فيه مرحلة اللا عودة مثل الوسط السياسي، فقد أعلنت الأجسام الصحفية المنقسمة العودة إلى بعضها وطي صفحة الخلافات وتجاوز أسبابها، واتفقت على تكوين لجنة مشتركة، تتولّى تنفيذ مهمة إعداد مشروع نقابة الصحفيين وقانونها وإعداد مشروع ميثاق الشرف الصحفي والسجل الصحفي، والأجسام هي لجنة استعادة نقابة الصحفيين السودانيين واللجنة التمهيدية لنقابة الصحفيين السودانيين ومنصة التأسيس لنقابة الصحفيين السودانيين.
مشكلة الوسط الصحفي التي أدت إلى انقسامه هي أن أعضاءه المنتمين للأحزاب نقلوا إليه الصراعات السياسية، وأصبح كل اتجاه يسعى للسيطرة عليه مثلما يحدث في قوى الحرية والتغيير، وهذا غير ممكن في الفترة الحالية. فالصحافة قطاع مهني حر ويجب أن يظل كذلك ليعمل بكفاءة، حتى النظام المخلوع لم يستطع أن يجعله موالياً له تماماً رغم سعيه المستميت إلى ذلك، بل استطاع أن يسهم في إسقاطه، ولا أدري كيف فات هذا الأمر على المنتمين للأحزاب والأيديولوجيات من الصحفيين.
حقيقة الصحافة السودانية اليوم تمر بظروف صعبة جعلتها عاجزة عن القيام بدورها لخدمة المرحلة الانتقالية والتحول الديمقراطي، والزمن يمر بسرعة والفشل السياسي يتسيد المشهد، والشعب في حيرة من أمره، وهو نفسه منقسم على نفسه وبحاجة إلى من يساعده، ولا أحد يقوم بهذا الدور غير الصحافة التي يجب أن يتحرك منسوبوها بسرعة لإعادة الاستقرار إلى ربوعها فهي اليوم مثل فاقد الشيء .
نرجو أن تقفل هذه الخطوة باب الانقسام في الوسط الصحفي إلى الأبد، وتفتح أبواب التعاون والتنافس الشريف، وأن توفق اللجنة المختارة في وضع مشروع النقابة والقوانين والميثاق، بما يعيد للصحافة قوتها وقيمها ويمكنها من أداء دورها بكفاءة في هذه الفترة من تاريخ السودان.