مقالات

د.محمد عبدالقادر سبيل يكتب : لا يسار بلا اشتراكية..العدالة الإجتماعية الآن

الاشتراكية التي اطلبها الآن وفوراً هي هيمنة الدولة على عناصر الانتاج وامتلاك الدومين الحكومي الخاص ( الشركات الحكومية العملاقة التي تدر ايرادات كبرى للخزينة العامة) بما ينعكس على حياة المجتمع عدلاً ورفاهاً تجسده مجانية العلاج والتعليم ووسائل النقل الحكومية المدعومة كدعم الخبز وحليب الاطفال والمساكن الشعبية وذلك من خلال تمكن الحكومة من ادارة الموارد بكفاءة وفاعلية.
اعني الاشتراكية التي تمنع الرأسمالية الطفيلية ( تجار السوق الموازي) من التحكم في قوت الشعب وفي مستوى الاسعار وقيمة العملة حسب هواهم ومصالحهم.
تلك الاشتراكية التي تمكن الحكومة من التخطيط التنموي المركزي ومن جعل التعاونيات ثقافة عامة يعيشها ويتفاعل معها الجميع يوميا لأننا مجتمع يقع 75% منه تحت خط الفقر و60% من تحت خط الفقر المطلق absolute poverty بدخل يقل عن دولار واحد في اليوم ( 450 جنيه) .. نريد الاشتراكية التي سبق اليها الإسلام قبل غيره حين جعل الناس سواسية كأسنان المشط، والناس شركاء في الماء والنار والكلأ و من كان له فضل زاد فليعد به على من لا زاد له. ولا يؤمن احدكم ما يحب لاخيه ما يحب لنفسه.
هذه المعاني هي أهم ما تجذر في جوهر الشخصية السودانية.. ولذلك فهذا ما ينبغي ان يفهمه ويبني عليه كل السياسيين السودانيين بمن فيهم اليساريون الذين يحكمون الآن بلا اية نكهة اشتراكية.. بل قفزوا عليها كما فعل سلفهم الاسلاميون طوال ثلاثين سنة لم يطبقوا خلالها من الاسلام الا التمكين والتحرير الاقتصادي واقتصاد الظل الفسادي. مع علمهم ألا دين بلا تقوى ولا تقوى مع اكتناز الذهب والفضة ولا هلافة راشدة في تمثل ولوغ بني امية في المال العام الذي كان عمر يجلد عليه بالدرة.
ثم هل لمسلم حاجة لنذكره من مبادئ دينه أنه( ماجاع فقير الا بما متع به غني) فذلك كله من أوضح قيم الاسلام المعلومة والتي تمثلتها تجربة الفاروق وسليله عمر بن عبدالعزيز نبراساً لنموذج الدولة الاشتراكية العادلة.
فلا يمكن بأي حال اقامة دولة اسلامية خلواً من نزاهة الحاكم وزهده في لعاعة الدنيا ومن إعمال مبادئ الاشتراكية (العادلة) كأساس لبناء النسق الاجتماعي والسياسي.

وعلى الجانب الآخر فمن العجب العجاب أن نضطر لأن ندعو اليساريين السودانيين، بعد ان ذهبت بهم النزعات الليبرالية كل مذهب، الى الاهتمام قليلا بتضمين مبادئ الفكر الاشتراكي ضمن ادبياتهم وخطابهم السياسي المبذول في مختلف المنابر بدل ان ينصب كل جهدهم وحيلتهم على غاية وحيدة هي ام الغايات وهي الاشتراكية ومنتهاها اعني: اجتثاث شأفة الاسلاميين والسعي لتعطيل مستقبلهم .. ندعوهم للالتفات الى اساس منطلقهم وفكرهم والى هموم هذا الشعب المتعلقة بأسباب العيش الكريم ،إذ لا نسمع حساً ولا خبراً من ذلك في وقت شدما يتطلع فيه الشعب الى البديل لسياسات الرأسمالية الطفيلية التي اشاعت الفساد وافقرت المسلمين وجعلتهم يسألون الناس إلحافاً طوال حكم الانقاذ وحتى الآن.

نظام الاقتصاد الاشتراكي (العادل) ليس ترياقاً للفجوة الطبقية والتمييز المريع الذي ساد وطغى حتى داخل العاصمة.. وانما هو العلاج الناجع لقضية التهميش وما تمخض عنه في كل اطراف البلاد حروباً وأوبئة وجهلاً ومجاعات نجمت كلها عن سوء توزيع الدخل القومي واهدار الموارد والثروات.

إن الاشتراكية الاقتصادية القاصدة التي لا تنفي دور وحقوق واسهامات الرأسمالية الوطنية ذات الاخلاق هي الحل والمخرج للطرفين… الاسلاميين واليساريين وقبل ذلك لشعب السودان.

فأما للشعب فلأن 90% منه يرزح تحت خط الفقر الدولي ( دولارين في اليوم تعادل 25 الف جنيه في الشهر علما بان راتب المعاشي 3500 جنيه) بما يعكس سوء توزيع الثروة والدخل القومي على نحو مريع وهذا هو مصدر الشعور بالغبن ومصدر الثورة خاصة اذا اضفنا الى ذلك معدلات البطالة المرتفعة ولا مخرج سوى العمل وبسرعة من أجل اعادة توزيع الدخل القومي عبر برنامج اجتماعي النزعة على النحو الذي وصفنا بما يضمن الاستقرار والعدالة الاجتماعية وتوفير الحد المعقول من الكرامة وحقوق المواطنة المتساوية الأمر الذي يكفله النظام الاشتراكي اكثر مما تفعل الرأسمالية والخصخصة وسياسة التحرير الاقتصادي التي تنفض يد الدولة من مسؤولياتها التقليدية تجاه حقوق المواطن.

من هنا فإننا ندعو اليساريين ان يتبنوا الاشتراكية بصراحة ووضوح والترويج لها عبر برامجهم الاصلاحية بدلاً من إضاعة الوقت كله في ملاحقة عيوب الاسلاميين..كما ندعو الاسلاميين الى توخي اسس الاشتراكية في برامج مراجعاتهم لأسباب الفشل والفساد وفي نقدهم الذاتي واعادة بناء فكرتهم السياسية والاجتماعية على هذا الأساس لأن هذا هو الاصل.

إن الاشتراكية هي فرصتنا المتاحة لاستلام الدولة لزمام المبادرة والسيطرة على وسائل الانتاج وتوظيف وتوجيه مواردنا القومية والسيطرة على قنوات الاستيراد والتصدير وتوزيع الدخل القومي بطريقة عادلة والسيطرة على عشوائية السوق وطفيلياته دون المساس بحقوق الرأسمالية الوطنية البناءة.. وهي فرصتنا ايضا لتحويل احزاب اليسار واليمين معاً من خانة المكايدات العبثية وطواحين الهواء.. الى خانة الايجابية والارضية المشتركة تحقيقاً لطموحات الشعب ومصالحه.
والله إني لأعجب واتساءل: إذا لم تخرج الاحزاب اليسارية السودانية بضاعتها الاشتراكية وتطبقها الآن وقد واتتها الفرصة فمتى ستخرجها؟

د. محمد عبدالقادر سبيل
خبير ادارة استراتيجية وباحث اقتصادي

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى