الراى السودانى
توقفنا في الحلقة الماضية عند نهج مولانا الحبر النائب العام المستقيل ، وآثاره المدمرة علي نسيج مجتمعنا السوداني ، وكيف أن ذلك خلق إصطفافا قبليا تضامنا مع المتهمين أو المشتبه بهم جنائيا في ظل الكيد السياسي ، كما أثبت بحثنا الإستقصائي إستهداف أسر المتهمين ظلما ، مثلما حدث مع أسرة الرئيس السابق ، رغم القاعدة القانونية الراسخة (أن المتهم برئ إلي أن تثبت إدانته ..!) ، ورغم القاعدة الشرعية والقانونية (بأن لا تزر وازرة وزر أخري) .
أيضا أشرنا في الحلقة السابقة لخطورة إشراك النائب العام لمحامين من ذوي الإنتماء السياسي الصارخ (ناشطين سياسين في لجان التحقيق مع رموز النظام السابق) ، فقد اندفع هؤلاء بدون روية أو تدبر، في محاولات يائسة لإثبات ما كانوا يتداولونه في إطار التعبئة لإسقاط النظام السابق من مثالب وحكايات عن ذلك النظام ومعظمها كانت من قبيل مايعرف حاليا في الوسط الإعلامي (علف القطيع) .
لذلك إتخذت التحريات مع رموز النظام منحا غريبا ، فقد بات علي المتهمين إثبات براءتهم ، وهو واجب أصيل علي الإتهام وليس الدفاع ، وإزاء عجزهم عن تحويل ذلك (العلف) إلى قضايا متماسكة ، ظهرت الممارسات الغير قانونية في إجراءات تجديد حبس المتهمين دون أن يكون هناك مسوغ لذلك التجديد ، الذي تم دون حضور المتهمين لإبداء السبب المانع وإعادة تدوير الوقائع كما ذكرنا آنفا ، والأنكي ظهور طائفة من الشباب جاهزة بعرائض أمام النيابات أو البحث في أضابير النيابة وسجلات الشرطة وأرشيفها عن بلاغات قديمة تم حفظها أو شطبها لعدم توفر بينات تبرر السير فيها كما حدث في بلاغات محمد حاتم سليمان وأدم الفكي ، وهي بلاغات تحسب للتجربة العدلية لذلك العهد وليس عليه ، ويلاحظ هنا النشاط الغير عادي الذي أبداه وكيل النيابة المقال أبوقراط والذي لم يشفع له هذا النشاط للإستمرار في الخدمة فطاله سيف العزل بواسطة لجنة التمكين (المتسلطة) .
فعلاوة علي ما أشرنا إليه في الحلقة السابقة من مثالب إشراكهم في هكذا لجان علي الأداء العدلي ، مثلما يحدث الآن في محكمة بلاغ مدبري إنقلاب الإنقاذ ، إذ ورط المحامي عبد القادر البدوي عضو لجنة التحقيق والإتهام في ذلك البلاغ هيئة الإتهام في مواجهة غير مبررة وغير مقبولة مع المحكمة وزملاءه في هيئة الدفاع بوصفه لأداء هيئة الدفاع في البلاغ بالإستهتار ، وهي من شاكلة (المخاشنات) التي كان يمكن تجاوزها لو تواضع وسحب عبارته واعتذر عنها كما يحدث عادة في المحاكم بين زملاء المهنة الواحدة ، ولكن تضخم الذات وإحساسه بأنه المتحكم في الأمور بوصفه رئيس الدائرة القانونية بقحت منعه من ذلك ، كيف لا ؟! وهو يجري الآن المعاينات لقضاة المحكمة العليا لإختيار رئيس القضاء كما جاء في بيان لجنة نادي القضاة !.
ولعل ذلك ما منع رئيس هيئة الإتهام في البلاغ المستشار سيف اليزل من التدخل لإحتواء الأمر مع المحكمة وهيئة الدفاع ، وإتخاذه لدور المتفرج ، وإكتفاءه بمهمة تسجيل حضور هيئته فقط ، هذا الإحساس بالسلبية هو أثر مباشر للتدخلات التي تسبب بها الحبر في أعمال النيابة العامة من النشطاء السياسيون.
لقد أبرز تعامل النائب العام والسلطات السيادية والتنفيذية العليا أبان جائحة كرونا روح الإنتقام والكيد السياسي في أجلي صوره ، فمولانا الحبر والأستاذة عائشة موسي ( العضو المستقيل من مجلس السيادة) تبنيا برنامجا لإفراغ السجون من المحكومين ، حفاظا علي حياتهم من تلك الجائحة ، وهؤلاء ثابت قانونا إدانتهم ، لقد تم إطلاق سراحهم جميعا ، إلا أن همتهما عجزت حتي عن إطلاق سراح المعتقلين بالضمان ، أو وضعهم بمنازلهم قيد الإقامة الجبرية وهم لايزالون متهمين وغالبهم لم تهتدي السلطات حتي ذلك الوقت للإتهامات المناسبة بحقهم ، لقد تركوا بالسجون يواجهون مصيرهم المحتوم ، وواضح أن السلطات كانت مرحبة للأسف لما يمكن أن يطالهم بسبب تلك الجائحة ، بل تداولت دواوين مجالس المدينة قولا لأحد كبار المسئولين في السلطة الحاكمة قولا مفاده (خليهم يفطسوا) !!! وبالفعل فقد إرتقي بسبب تلك الجائحة الشهداء الشريف أحمد عمر بدر ، ومن بعده الشهيد عبد الله البشير (نسأل الله لهم الرحمة) ، كما أصيب بتلك الجائحة العديد منهم وكتبت لهم إعمار جديدة ومنهم مولانا أحمد هارون والأستاذ علي عثمان محمد طه والفريق أول عبد الرحيم محمد حسين والفريق النو ، واللواء طبيب الطيب إبراهيم محمد خير ، الدكتور نافع علي نافع والبروف إبراهيم غندور (فك الله أسرهم) .
علي كل الشئ بالشئ يذكر فإن الأستاذة المستقيلة عائشة موسي وبرفقتها الأستاذة رجاء نيكولا وفور أدائهما لقسم التعيين كعضوتين بمجلس السيادة كانتا قد زارتا سجن كوبر وطلبتا لقاء المعتقلين ، ونفذ لهما طلبهما ، ولم تتوانيا في القول لدي نقاشهم مع المعتقلين من القول بأنهما حضرتا لزيارة السجن ليس بغرض تفقد الأحوال ولكن للتأكد من وجود رموز الإنقاذ حقيقة بالسجن !!!! لقد كان ذلك القول بحضور قيادات الأجهزة الأمنية والشرطة والسجون ، فأشار لهما المعتقلين ، بأنهما وبوصفهما جزء أصيلا من القيادة الأعلى لتلك القوات فإنهما ماكان يجدر بهما ذلك القول المشكك في نزاهة ومصداقية الأجهزة التي يقودانها !! .
ولكن تزول الدهشة إذا علمنا أن المجلس العسكري نفسه كان قد حرص علي تصوير المعتقلين لحظة وصولهم لسجن كوبر بلقطات أخذت لهم وهم أمام بوابة السجن ومن خلفهم لافتة السجن وأثناء الدخول ، وأثناء السير حتي الزنازين التي خصصت لهم ، بمصورين من الإعلام العسكري !! ويبدو أن ذلك كان بغرض مواجهة حملة التشكيك بشأن وجود رموز النظام السابق بكوبر أو لإقناع بعضهم البعض بأن رموز النظام السابق موجودين فعلا بكوبر لأنه وحتي داخل عضوية المجلس العسكري نفسه دارت الملاسنات علنا بين أعضاءه بشأن تواطؤ البعض في عدم القبض علي كل المطلوب القبض عليهم ، أو السماح لبعضهم بالهروب وسبق أن أشرنا إلى هذه الجزئية في حلقات سابقة .
نواصل السبت المقبل
الرادار … السبت 19 يونيو 2021