مقالات

مقتل الأمير .. جريمة لم يحاكم فاعلها بعد !

الراى السودانى

يوم بدأ بخبر سار .. الأمير سيغادر المشفى اليوم .. ولكن ذات اليوم انتهى بفاجعة .. امتد عمرها لثمانية عشرعاماً بالتمام والكمال .. إذن .. فقد كان يوماً كالحاً ذلك اليوم .. 31 مايو 2003 .. كانت الدقائق تمضي بطيئة .. والفرح يملأ جوانح كل من حول الأمير .. استعدادا لنقله لمقر إقامته المؤقتة .. بعد أن أصر الأطباء على ضرورة خلوده لراحة تامة .. دون ضوضاء .. وأن عودته إلى بيته .. المفتوح مباشرة على الشارع .. دون أبواب حتى .. هو الانتحار بعينه .. أما هو فقد كان يرى الانتحار في تلك العزلة التي نخطط لها .. أنا وسارة كما كان يقول .. ولكننا كلنا أسرته ومحبيه وأطبائه .. نفعل كل شيء من أجل الأمير .. لم نكن نرى أن مقتل الأمير.. يربض على مقربة منا في هدوء قاتل .. عند الخامسة تماماً من عصر ذلك اليوم .. كان الأمير في كامل هندامه .. جلبابه ناصع البياض .. عمامته التي على رأسه بعناية هندسية فائقة .. على كتفيه شال مرصع ..وابتسامته الوضيئة تشرق على وجهه .. وما يفتأ يلوح بعصاه في وجوهنا .. محذراً من إطالة فترة العزلة ..التي كان قد وافق عليها على مضض .. وما درى وما درينا .. أن عزلة أخرى طويلة ومرعبة تنتظر الجميع .. كانت تلك آخر مرة أرى فيها الأمير بهيئته التي أعرف .. !
غادرت الغرفة للاطمئنان على انفضاض الجموع التى احتشدت للاطمئنان على صحة الأمير .. بضع دقائق وعدت .. لأتفاجأ بجلبة عظيمة .. وعبارة واحدة يرددها الجميع .. الأمير وقع .. كان ذلك متوقعاً على كل حال .. فقد كان قلب الأمير مرهقاً .. يحمل ما تنوء به الجبال من أحمال .. ولئن كان الأمير حائط تنشين دائم لنظام الإنقاذ .. فالنيران الصديقة نالت من قلبه الكثير كذلك .. لذا ربما كان للأمر أن يكون عادياً .. حتى تلك اللحظة .. كما أفاد الأطباء لاحقاً في مركز القلب .. فقد كان كل المطلوب .. جرعة أكسجين .. تعين القلب على العمل .. ليعيد ضخ الدماء فى مختلف أنحاء الجسد .. ولكن فاصلاً من الدراما السوداء كان في الانتظار . اتجهت الأنظار أول ما اتجهت إلى تلك الأسطوانة القابعة في ركن قصي من الغرفة .. فإذا هي خاوية .. فافترضنا بكل حسن الظن في .. مستوصف محترم .. أن ثمة أخرى مليئة بالجوار .. لا شك أنها ستسعف الأمير .. فإذا بالمسلسل الأسود يتمدد مع كل أسطوانة .. كل أسطوانات الأكسجين فى ذلك المستوصف .. المملوك لوزير الصحة فى ذلك الزمان .. فارغة أو خاوية .. وكل دقيقة تمر تحيل الموقف إلى مشهد عبثي عصي على الاستيعاب .. تلك تحديداً كانت هي اللحظة التي وضعت حداً لحياة الأمير التي نعرفها ويعرفها كل من عرفوه .. بل وكل من سمعوا عنه .. حيوية ونشاطاً .. حماساً وتحدياً .. جسارة وصموداً .. قوة وعزيمة .. وثقة بنفسه وبشعبه لا تحدها حدود ..!
انتقل الأمير .. أو تم نقله إلى مركز القلب بالخرطوم .. كانت الإفادة الأولية لكبار الاختصاصيين .. أن انقطاع تدفق الدم إلى المخ .. طوال هذه الفترة .. بسبب عدم التدخل المسعف في الوقت المناسب .. ربما يسبب ضرراً بالغاً .. يصعب علاجه .. وهذا عين ما حدث .. !

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى