الراى السودانى
فى 27 شباط \ فبراير 2007م قدم المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية قضية أحمد هارون وعلي كوشيب للدائرة التمهيدية للمحكمة مع الأدلة التي تبين كيف أن هارون وكوشيب اتحدا معاً لاضطهاد ومهاجمة المدنيين فى دارفور وفى 27\نيسان \ إبريل \2007م أصدرت الدائرة التمهيدية الأولى مذكرة اعتقال ضد أحمد هارون وعلي كوشيب تحوي 51 تهمة لارتكابهم جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب وفي 25\ايار \ مايو 2010م اعتمدت الدائرة التمهيدية للمحكمة قراراً لإبلاغ مجلس الأمن الدولي عن عدم تعاون جمهورية السودان مع المحكمة وذلك لعدم تسليمها للمتهمين الذين صدرت فى حقهم مذكرات اعتقال،
من المعلوم أن قضية دارفور قد تمت إحالتها من مجلس الأمن إلى المحكمة الجنائية الدولية بموجب المادة 13\ب من النظام الأساسي للمحكمة وعليه فإن من أول الأشياء التي يجب تثبيتها هو أن السودان ليس من الدول المصادقة للنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية وأن إحالة القضية الخاصة بإقليم دارفور السوداني لم تكن بسبب أن السودان عضو في تلك المحكمة وإنما لأن مجلس الأمن أحال القضية بموجب سلطاته تحت الفصل السابع وفقاً للمادة13\ ب المشار إليها .
بالنسبة إلى وضع السودان من حيث إنه ليس عضواً في اتفاقية روما التي أنشأت النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية نجد كثيراً من الاشتراطات التي أقرها النظام الأساسي للمحكمة على الدول الأعضاء غير ملزمة لها وذلك أن الاتفاقية الدولية بحسب ما أقرته معاهدة روما للاتفاقيات لسنة 1969م لا تلزم إلا أطرافها فقط ولا يعني هذا أن الإحالة نفسها كانت غير صحيحة وإنما يعني أن الالتزامات التي وضعتها الاتفاقية لا تسري إلا في مواجهة الدول الأعضاء فقط . على هدى من هذا النظر فإنه يجب تحليل الموقف القانوني للمتهم أحمد هارون في سياق طلب تسليمه إلى المحكمة الجنائية الدولية ومعرفة إذا كان قرار ذلك التسليم يتوافق مع وضع السودان من حيث إنه غير عضو فى النظام الأساسي للمحكمة ومعرفة ما إذا كان ذلك القرار يتوافق مع القوانين السودانية التي تنظم تسليم السودانيين لمحاكمتهم خارج السودان ؟؟
بالنظر إلى المواد التي عالجت إلقاء القبض على المتهمين أمام المحكمة الجنائية الدولية نجد أن نصوص المواد 59 و86 من النظام الأساسي للمحكمة تنص على إجراءات تنفيذ أومر القبض التي ترسل إلى دولة طرف في ذلك النظام وعليه فإن كل الإجراءات التي نصت عليها المادة لا تنطبق على السودان باعتباره دولة غير طرف فى الاتفاقية . المادة 87 من النظام الاساسي تحدثت عن المساعدة من جانب الدول غير الاطراف على أساس ترتيب خاص او اتفاق مع هذه الدول او على اي اساس آخر مناسب وقد رتبت تلك المادة حكما على عدم تعاون الدول غير الأطراف متى ما تم ترتيب خاص او اتفاق او على اساس خاص بين تلك الدول والمحكمة وهذا الحكم هو إخطار جمعية الدول الأطراف او مجلس الامن بعدم تعاون تلك الدول مع المحكمة .
نخلص من هذا ان السودان غير ملزم بتنفيذ أوامر القبض المنصوص عليها فى المادة 59 او بالتعاون مع المحكمة المنصوص عليه فى المادة 86 من النظام الاساسى ولكنه يكون ملزما بتقديم المساعدة بحسب نص المادة 87 من النظام الاساسي متى ما تم ترتيب خاص او اتفاق او على أساس آخر بينه وبين المحكمة الجنائية الدولية ويجب ان نلاحظ الفرق بين الالتزامات التي رتبها النظام الاساسي للمحكمة على الدول الأطراف وبين تلك التي رتبها على الدول غير الأطراف ، كم يجب ايضا في هذا الخصوص عدم وضع التزامات على السودان باعتباره دولة غير طرف دون ان يقوم النظام الاساسي نفسه بوضعها.
غني عن البيان ان قرار تسليم المتهمين لمحاكمتهم خارج السودان هو قرار قضائي بحت لا شأن له بالسياسة وذلك ان الأصل في ان تتم محاكمة السودانيين الذين قاموا بارتكاب جرائم في السودان أمام المحاكم السودانية وهو مبدأ اصيل تعمل به كل القوانين تعبيرا عن متطلبات السيادة ، وترتيبا على ذلك فانه متى قامت اي جهة اجنبية بطلب تسليم اي من السودانيين بغرض محاكمته او التحقيق معه فان السلطة القضائية هي التي يجب ان تصدر قرارا برفض او قبول الطلب استنادا على الاتفاقيات الدولية والقوانين الداخلية التي تحكم ذلك الطلب عليه فانه وفي رأينا المتواضع فان قرار تسليم احمد هارون او غيره من المتهمين الى المحكمة الجنائية الدولية يجب ان يصدر من السلطة القضائية وليس من اية جهة اخرى.
فيما يتعلق بالقوانين الداخلية والتي تقوم بمعالجة تسليم المتهمين السودانيين الى جهة اجنبية بغرض المحاكمة او التحقيق في نص المادة 3 من قانون الاجراءات الجنائية لسنة 1991 قد نص في لمادة 3 منه على عدم جواز المساعدة او الدعم لتسليم السودانيين الى اية جهة أجنبية للمحاكمة او التحقيق فى جرائم تم ذكرها على سبيل الحصر وهي الجرائم التى تشكل مخالفة للقانون الدولي الانساني بما في ذلك الجرائم ضد الإنسانية والابادة الجماعية وجرائم الحرب وهذا نص واضح الدلالة على عدم جواز تسليم السودانيين لمحاكمتهم بالخارج بالرغم من ان النص يتحدث عن عدم تقديم المساعدة او الدعم من اي شخص او اية جهة حكومية .
نخلص من تحليل هذه النصوص ان هنالك الكثير من العقبات القانونية التي تعترض تسليم اي مواطن سوداني ومن بينهم احمد هارون الى المحكمة الجنائية الدولية وان هنالك الكثير من الاجراءات التي يجب القيام بها لتذليل تلك الصعاب من بينها اجراءات خارجية هي عمل ترتيبات مع المحكمة الجنائية من اجل تقديم المساعدة لها واجراءات داخلية وهي الغاء نص المادة 3 من قانون الإجراءات الجنائية الذي يمنع اية جهة في السودان لمساعدة ودعم تسليم المواطنين السودانيين لاي جهة اجنبية بغرض المحاكمة والتحقيق.