الراى السودانى
بقلم : إبراهيم عربي
مواصلة لحلقات (محاكمة رموز الإنقاذ … مطاردة الساحرات) ، فإن الأحداث قد تطورت علي صعيد الساحة العدلية بشكل أكثر من متسارع ، فمنذ صدور بيان مولانا هارون الذي نعي فيه العدالة وطالب بمثوله أمام محكمة الجنايات الدولية ، وإستقالة النائب العام في ذات اليوم إحتجاجا علي قرارت لجنة إزالة التمكين التي قضت بإعفاء عدد من المستشارين الذين كانوا يعملون كفريق عمل مباشر مع مكتبه في متابعة وتولي قضايا رموز النظام السابق ، قطع شك لو لم يكن كشف الإحالة للمعاش صادر من لجنة إزالة التمكين لما تردد الرأي العام في نسبة ذلك (للدولة العميقة) .
غير أن الأحداث قد توالت بإستشهاد شهيدين في أمسية الذكري الثانية لفض الإعتصام ، ولم تنتهي تلك الأحداث بتسليم (سبعة) من الجنود للنيابة بواسطة البرهان شخصيا للنائب العام المنصرف ، ولم تنتهي تلك الأحداث بقبول إستقالة النائب العام مولانا الحبر وإقالة رئيسة القضاء مولانا نعمات عبد الله محمد خير .
فلا تزال الساحة العدلية والساحة السياسية العامة مفتوحة علي مصراعيها لكثير من الإحتمالات في ظل التطورات المتسارعة ، ولكن دعونا إبتداء نقرر أن سلطة الرأي العام ممثلة في وسائط الإعلام المختلفة هي الكاسب الأكبر في سلسلة التطورات التي شهدتها الساحة العدلية ، ونقرر بكل تواضع أن هذه الحلقات وضمن سياق أشمل وواسع من الكتاب والقانونيين والمهتمين بأمر العدالة ، كانوا قد جردوا أقلامهم وبكل شجاعة ومهنية تجاه ماكان يجري من ممارسات في أروقة الأجهزة العدلية ، قطعا لا ندعي أن هذا المجهود وعلي إتساعه وشموليته كان هو الفيصل فيما إنتهي اليه أمر النائب العام ورئيسة القضاء ، فما وراء الأكمة ماوراءها من معركة كسر عظم بين مختلف قوي السلطة المتصارعة فيما بينها ، ولكن قطعا للشك فإن حملة تنوير الرأي العام وتعبئته وحشده تجاه ما كان يجري في دهاليز تلك الأجهزة المعنية بإنفاذ واحدة من أهم أضلاع شعارات الثورة (حرية ، سلام وعدالة) كان له القدح المعلي في حسم المعركة علي النحو الذي إنتهت عليه .
ولابد لنا أن نثمن مجهود نادي النيابة ، فقد سبق مجهودهم جميع المجهودات في قيادة حملة التصدي لغياب العدالة ، ولاتزال القضايا التي أشهروها في وجه النائب العام وقادوا بموجبها إضرابا ناجحا ، لاتزال تلك القضايا مرفوعة في محكمة الرأي العام علي أقل تقدير تنتظر الفصل فيها .
بالطبع لم تنتهي المعركة بعد ، إذ أن من شاركوا فيها أتوها من زوايا ونوايا مختلفة ، البعض وهم الغالبية شاركوا فيها من منظور إحقاق الحق ، والحق المجرد من كل هوي أو ميل سياسي ، والبعض الآخر شارك فيها من منظور الحق حسب المنصة السياسية التي ينطلق منها والزاوية التي يتكئ عليها ، ولا تخلوا ساحة المعركة أيضا من بعض (الكسابة) .
ما يهمنا هنا وقد كرسنا هذه الحلقات لكشف المستور في أداء تلك الأجهزة الحيوية والمهمة ، وخاصة النيابة العامة ، أن نجري جردا سريعا للحساب ، ليكون ذلك بمثابة دروس مستفادة للمستقبل ، ليستقيم الأداء العدلي بالبلاد ، قطعا دون عدالة لم ولن يشهد الوطن إستقرارا سياسيا ولا أمنيا ولا إجتماعيا ولا بيئة محفزة للإستثمار وإنعاش الإقتصاد مهما عقدت المؤتمرات في داخل السودان أو خارجه .
بحثنا الإستقصائي كشف أن النائب العام المنصرف مولانا تاج السر الحبر ، لم يكن من الوجوه القانونية البارزة حيث أن خبرته العملية بوزارة العدل لم تتجاوز العام الواحد ، قضاها بإدارة المسجل التجاري ثم التحق بالمحاماة ، صحيح إنه كان عضوا بتحالف المحامين عن الحزب الإتحادي الديمقراطي ، ولكن لم يظهر إسمه كأحد أعلام ذلك التحالف نفسه ، وظل ملتزما بمهنته وحفيا بها ، فبرز الرجل في مجال القانون التجاري ، وقضايا الشركات ، ولعل هذا (مع إعتبارات أخرى مسكوت عنها) ما أهله ليكون أحد المستشاريين القانونين لشركة النيل الكبري للبترول ، وهي شركة تساهم فيها الحكومة مع شركاءها في مجال صناعة النفط (الصين وماليزيا والهند) ، فالولوج لساحة هذه الشركات ، يقتضي مؤهلات ليست فقط مهنية وأكاديمية ، ولكن شرط السلامة الأمنية يعتبر مؤهلا لايمكن تجاوزه بأي حال من الأحوال للعمل ليس فقط في القطاع القانوني لتلك الشركة ولكن حتي للعمالة الغير ماهرة (الكاجول) ، لذلك فإن جهاز الأمن والمخابرات كان هو بوابة المرور للعمل في قطاع النفط ، ولجهاز الأمن شركة لتوظيف وتوريد العمالة لذلك القطاع .
من الواضح أن فترات عمل مولانا الحبر ونشاطه في تحالف المحامين قبل الإنتفاضة 1985هو ماقدمه لمجموعات القانونيين الناشطين سياسيا في ذلك التحالف ، وهو ماشكل له حاضنة قدمته لذلك الموقع الرفيع والخطير عقب ثورة ديسمبر 2018 ، وأعتقد أن تلك العلاقة قد شكلت حمولة زائدة عليه فألقت بكثيف ظلالها عليه في فاتحة أعماله في موقع النائب العام ، من خلال تواجدهم المستمر وطيلة اليوم بمكتبه ، وآخرون أحاطوا به إحاطة السوار بالمعصم دونما صفة (الأستاذ مامون فاروق وصحبه) .
بيد أنه وبإستلام مولانا الحبر لمفاصل عمله الجديد ، وتوطيد علاقاته بمراكز القوي داخل المنظومة الحاكمة سرعان ما شبك علاقاته وبقوة مع المراكز ذات القوة والتأثير وقل تأثير تلك المجموعات السياسية عليه ، بل أصبح معظمهم من الناقمين عليه ، وانضموا لساحة القتال في مواجهته ، وأصبح يقاتل معركته مستندا علي ظهر المكون العسكري .
وبالطبع تلك خلفية مهمة رأينا إلقاء الضوء عليها ، لنضع في الحلقات القادمة ، أصابعنا وبكل وضوح علي مواطن الخلل في الأداء العدلي والقانوني ليستفيد منه القادم الجديد علي أمل أن ينصلح أمر العدالة في بلادنا .
نواصل …
الرادار .. السبت 22 مايو 2021 .