مقالات

مبارك الكودة يكتب: لا والف لا لدولة الرجال

الراى السودانى

الحقيقة العارية لوحة للفنان الفرنسي جون ليون جيروم رسمها عام ١٨٩٦م تجسيداً لأسطورة تقول أن الكذب أستدرج الحقيقة لكي تسبح معه في بئر ، وبعد أن خلعت الحقيقة ثيابها وبدأت تسبح خرج الكذب مسرعاً من البئر ولبس ثياب الحقيقة وهرب ، ظلت الحقيقة تبحث عن ثيابها وهي عارية ، لم يعجب الناس هذا العُرِي الواضح فاختفت خوفاً منهم ، بينما ظل الكذب في ترحال دائم حول العالم مرتدياً ثياب الحقيقة يعمل بكل إمكاناته لإرضاء الناس ٠
هذه الأسطورة أراها أمامي بعد الثورة رأي العين ، وكيف أن الكذب خدع حقيقة الثورة وتدثر بثيابها ، وها نحن نري رجالاً كنا نعدهم من الأخيار يكذبون أمام أنفسهم وأمامنا بمنتهي الصدق ، كنت في بداية الثورة من دعاة استصحاب كلما هو ضروري من عوار الماضي من أجل تحقيق غاية الثورة بموضوعية ، فليكن البرهان والمجلس العسكري وحميدتي والدعم السريع بقوتهم ضامناً للانتقال ، ولتكن قحت بكل مشاربها و تناقضاتها وتهافتها الحاضنة السياسية لتهيأت الملعب الحر لما بعد فترة الانتقال ، وهاتفت بعض الأصدقاء الذين تربطني بهم علاقة خاصة من الحركات المسلحة متمنياً مشاركتهم العاجلة بلا شرط ، لأنه ليس هنالك من يمتلك حقاً دون الآخر فَيُشْتَرط عليه وَيُوفِي بالشرط ، فكل المواطنين سواسية أمام هذا المشروع القومي الجديد ، لا فرق بين المكون الداخلي والخارجي بعد سقوط الإنقاذ حتي تُفَاوِض الحركات المسلحة شقها الداخلي ليضمن لها حقوقاً وكأنها جاءت وفق إتفاقية مصالحة بينها وبين النظام ؟ ولا أعتقد أن الفريق شمس الدين وحميدتي يمتلكان المشروعية لإدارة الحوار وصدقت مقولة الفريق الكباشي عندما وصف استحقاقات اتفاق حمدوك الحلو بأنه عطاء من لا يملك لمن لا يستحق ؟
نحن الآن أمام كذب صراح يتدثر بثياب الحقيقة والتي هي أمامنا عاريةً تماماً ( أم فكو ) ولكي أثبت ما أقول دعوني أسأل :
هل البرهان ثائراً كما يدعي أم ضامناً للإنتقال وفق نصوص الدستور التي تلزم القوات المسلحة حماية الوطن من الضياع عند اللحظات الحرجة ؟ وهل حميدتي كالبرهان ثائراً أيضاً أم هو عقبةً كؤودًا لا يمكن تجاوزها ولذلك تم استصحابها بقاعدة المصلحة المرسلة ؟ وإذا كانت الإجابة أن البرهان ومجلسه العسكري وحميدتي وشقيقه عبد الرحيم وجنودهما في مصاف الثوار إذاً فليمدد أحمد هرون وصحبه أرجلهم٠
الثورة ليست رجالاً إنما قيماً للتغيير فالحق الذي يتطلع اليه الثوار هو الذي به يُعرف الرجال ، وقديماً قيل أعرف الحق تعرف أهله ، وبالطبع لهذه الثورة شعارات واستحقاقات واضحة جداً ولكن للأسف لبس الكذب ثياب حقيقتها وأصبح ناطقاً باسمها ولذلك جاءت حرية التعبير منقوصة فقد رأينا قبل يومين مجرد محادثة من نافذٍ مستبدٍ جائر له أجندته الخاصة منعت لقاءً تلفزيونياً من البث ، وشاهدنا قبل أيام وفي أحد القنوات كيف تم اعتقال مقدماً لبرنامجٍ من داخل استديوهات البث المباشر ، كما أن حرية التقاضي منقوصة بنقص منصاتها فليست هنالك محكمة دستورية تعصم المواطن واستحقاقاته الوطنية وماله من ظلم السلاطين ٠
يحاجنا البعض بأن هؤلاء الرجال أفضل من اؤلئك !! وكأنما جاءت الثورة من أجل مفاضلة الرجال وتقديسهم ولم تأت لتأسيس دولة مدنية تقف علي مسافة واحدة من الجميع صالحين وطالحين !! فهل أسست الثورة لشعاراتها أم أنه كذب يرتدي ثياب الحقيقة ؟ الوطن يحتاج لدولة القانون ولا والف لا لدولة الرجال 

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى