الراى السودانى
بعد أسابيع قليلة من السكون عاد موضوع مكتب رئيس الوزراء د. عبد الله حمدوك للأضواء بعد تداول أخبار الاستقالة المفاجئة للموظفة الأممية السابقة رانيا حضرة نائبة المدير التنفيذي وموظفة أخرى. وفيما تم إعلان تعيين السيدة حضرة بشكل رسمي كنائبة لمدير مكتب رئيس الوزراء فإن الموظفة الأخرى التي تم تداول اسمها في أخبار الاستقالات منسوباً إلى مصادر، لم يتم الحديث عنها من قبل في أجهزة الإعلام. أتت استقالة حضرة محمولة على شائعات مسيئة في غياب تفسير رسمي منها أو من مكتب رئيس الوزراء.
بعد أيام وتحت ضغط وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام الجديد، نشرت حضرة بياناً غامضاً ومقتضباً على صفحتها على تطبيق فيسبوك يخفي أكثر مما يفصح حيث كتبت ” تقدمت باستقالتي بعد أن تعذر علي مواصلة العمل، وذلك بسبب تباين في وجهات النظر المهنية حول تأدية المهام المنوطة بالمكتب التي كان قد تم الاتفاق عليها مسبقاً”. واضح من قراءة البيان أنه صدر من أجل مواجهة الشائعات أكثر من توضيح الحقائق، حيث كتبت “كل ما يدور من شائعات عارٍ من الصحة، وإطلاق الاشاعات من هذا القبيل سلوك مشين وغير أخلاقي ولا يشبه السودان ولا شيمنا كسودانيين ولا قيم ثورة ديسمبر الظافرة”. هل نجح هذا البيان في (لم الموضوع)؟ لا أعتقد.
أثيرت حكايات كثيرة عما عرف في الفضاء العام بمكتب حمدوك، وفساد التوظيف فيه، ومخالفته لقوانين ونظم العمل، وفساد الترتيبات المالية للأجور التي يتقاضاها العاملون فيه، بالإضافة إلى أحاديث سابقة كثيرة عن اختراق المكتب من خلال شبكة اتصالات سرية خاصة بالمكتب موصولة بإمكانيات تقنية خارج سيطرة الهيئة الحكومية العامة للاتصالات، لكن تظل هذه الأحاديث مرهونة بالحصول على تأكيدات سيصعب الحصول عليها بشكل رسمي إلا عند حدوث انشقاق، أو انهيار النظام الحالي وكلا الأمرين ليس ببعيد بتحليل المعطيات الحالية. علينا إذن الانتظار قليلاً وسنرى إن شاء الله.
***
فور توليه منصب رئيس الوزراء في أغسطس ٢٠١٩م، انشغل د. حمدوك بعملية تأسيس مكتب (ديوان) له بشكل منفصل عن الأمانة العامة لمجلس الوزراء التي تأسست في العام ١٩٥٤م، وظلت تقوم بدور الكابينة الإدارية البيروقراطية لحكومة السودان منذ عهد الإدارة الاستعمارية.
جاء حمدوك محمولاً على الإعجاب بتجربة رئيس الوزراء الإثيوبي الأسبق ملس زيناوي الذي أسس فور توليه السلطة مكتباً ضخماً ليكون بمثابة حكومة وجهاز بيروقراطي موازٍ لجهاز الدولة العتيق. كانت لدى زيناوي أسبابه وحججه الموضوعية إذ كان جهاز الدولة برمته مصمماً لخدمة قومية الأمهرا الحاكم التأريخي للدولة في عهودها الإمبراطورية والشيوعية، وربما كان مصمماً بشكل مضاد لقومية التقراي التي ينتمي إليها الحكام الجدد. إلى ذلك فإن جبهة تقراي كانت تملك أرصدة وأصولاً تبلغ ملايين الدولارات، إضافة إلى جيش ضخم وخطة طموحة لتغيير توجه البلاد بحيث لا يمكن أداء تلك المهمة من خلال مؤسسات الخدمة المدنية والجهاز البيروقراطي العسكري والأمني القائم.
على النقيض يأتي حمدوك محمولاً على الضعف، إذ رحب به العسكريون باعتبار أنه بيروقراطي غير مسنود سياسياً ولا يشكل خطراً محتملاً على سلطتهم وهو موظف انتقالي غير منوط به تأسيس جمهورية جديدة وإن وصفه البعض بـ”المؤسس”.
قام حمدوك حينها بتعيين شخصين هما عبد الله ديدان، الذي ترك منصبه بشكل مفاجئ وسط دخان وغيوم من الشائعات في مجالس المدينة بعد أسابيع قليلة من توليه وظيفته غير المعلنة، وحاتم قطان الذي لم تعلن وظيفته أو مهامه على نحو رسمي لكنه ظل منذئذٍ محافظاً على موقعه في بطانة الأمير.
التقى حمدوك خلال زيارته الوحيدة إلى نيويورك بالأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس وأنهى إليه رغبته بانتداب بعض الموظفين السودانيين العاملين في الأمم المتحدة للعودة إلى بلادهم والعمل ضمن طاقم مكتبه وأفادت مصادر صحفية مطلعة أن غوتيريس أبدى عدم حماسته لمقترح رئيس الوزراء، وأبلغه بأنه طوال عمله كدبلوماسي دولي التقى بالعديد من السودانيين ذوي الكفاءة والقدرة الرفيعة الذين انضموا للعمل برفقته وإن عليه البحث في بلاده للحصول على من هم مثلهم، وربما أنسب للعمل البيروقراطي الحكومي من الموظفين الأمميين، لكن إعجاب حمدوك بالموظفين الدوليين وربما ازدراءه “المشهود” للكادر المحلي هو الذي دفعه على الحصول على تفريغ لعدد من موظفي الأمم المتحدة مثل الدكتور آدم الحريكة والسيدة عائشة البرير والسيد محمد منعم منصور للعمل بمكتبه فخسرت البلاد تأثيرهم ووجودهم كرصيد لها في الدبلوماسية الدولية وحرموا العديد من ذوي القدرات الرفيعة السودانيين من الحصول على وظائف في مكتب رئاسة الحكومة في بلادهم.
***
في سبتمبر ٢٠١٩م أبلغ مكتب رئيس الوزراء بشكل مباشر ودون إخطار وزارة الخارجية، السفير البريطاني حينئذٍ عرفان صديق باستدعائه للقاء رئيس الوزراء وحضر للقاء الذي لم يشهده أي موظف من الدائرة الأوروبية المعنية بشئون العلاقات مع المملكة المتحدة كما تقتضي الأصول. فاجأ رئيس الوزراء ضيفه بطلب لتوفير مساعدة لإعادة هيكلة مكتب رئيس الوزراء وتوفير المساعدات الفنية لما تمت تسميته بالـ”الاتصال الاستراتيجي” وهي طريقة المنظمات الغربية والمؤسسات الدولية في إطلاق أسماء براقة (Fancy names) على أشياء لا ترغب في الكشف عن فحواها مثل الأمم المتحدة التي كانت تستأجر المليشيات المتمردة لحماية عناصرها في الصومال وتسميهم في مستنداتها “التقنيون” أو (Technicals)، وكان الاجتماع دون محضر رسمي يسلم لوزارة الخارجية أو جهاز المخابرات أو غيرها من المؤسسات المعنية بالمتابعة.
أعرب السفير عرفان عن استعداده المبدئي للمساعدة وهو ما تم لاحقاً عبر مجموعة من الاحتيالات الإدارية الأوروبية التي تقول الشيء وتفعل أي شيء.
علمت وزارة الخارجية بالمصادفة بخطة رئيس الوزراء من خلال السفير البريطاني الذي التقى دبلوماسياً رفيعاً بالوزارة – حسب وثيقة حكومية تحت يدي- وأبلغه بفحوى الطلب.
***
من يدفع للزمار وكيف يختار اللحن؟
تمت الموافقة على مشروع الاتحاد الأوروبي لدعم مكتب رئيس الوزراء في السودان بتكلفة تبلغ ٧ ملايين يورو مخصومة على “الصندوق الإئتماني الطارئ للاستقرار ومخاطبة الأسباب الجذرية للهجرة غير النظامية والنازحين في أفريقيا” ويمكن للقارئ أن يلاحظ الفرق بين الاسم البراق هنا والمهمة المقصودة.
حملت وثيقة المشروع إشارات بأن هدف المشروع هو التنمية بالمشاركة وجودة الحكم للحصول على السلام والعدالة والمؤسسات القوية.
ذكرت الوثيقة أن الهدف الكبير للمشروع هو المساهمة في الانتقال الديمقراطي في السودان، بينما الهدف الخاص هو تقوية مكتب رئيس الوزراء، ولم تنس الوثيقة أن تؤكد أن هذا المشروع أتى استجابة لطلب مكتوب من رئيس الوزراء السوداني. ترى هل تصرف الدكتور حمدوك في هذا الأمر بموجب قرار من مجلس الوزراء الذي يرأسه وبالتشاور مع وزارات الخارجية والمالية وشئون مجلس الوزراء والأجهزة ذات العلاقة أم تصرف -كعادته- من وراء ظهر مؤسسات الحكومة الانتقالية، بذات الطريقة التي طلب بها تشكيل بعثة من الأمم المتحدة وهي التي تم تشكيلها تحت اسم يونيتاميس وباشرت أعمالها بالفعل؟
ما هي علاقة الاتحاد الأوروبي بمكتب رئيس الوزراء؟
أكدت وثيقة المشروع على أنه يأتي متسقاً مع خطة فاليتا “خطة أوروبية لمواجهة الهجرة إلى بلدانها تم التوصل إليها في عام ٢٠١٥م وتم بعدها اعتماد السودان كشريك مع الاتحاد الأوروبي في الخطة”، وأضافت الوثيقة أن الهدف الاستراتيجي للخطة هو جودة الحكم، ودرء الصراعات، وتخفيض النزوح القهري والهجرة غير النظامية، وبالطبع لم توضح الوثيقة كيف يمكن للـ٧ ملايين يورو التي سيتم إنفاق جزء منها لاحقاً ضمن منظومة للفساد الإداري والمالي أن تحقق هذه الأهداف العجيبة!
في ذكر الأسباب المنطقية للمشروع، وصف الممولون السودان بأنه كان يعيش تحت حكم تسلطي امتد لثلاثة عقود ولكنهم تجاهلوا حقيقة أن خطة فاليتا نفسها التي يتوقع لهذا المشروع خدمتها قد تم توقيعها مع ذلك النظام التسلطي وحصل مقابلها على ما يزيد عن الـ١٠٠ مليون يورو وليس سبعة ملايين فقط “يعلم الأوروبيون جيداً أين ذهبت تلك الأموال ويغضون الطرف” وتأسس عليها ما سمي في الأدبيات الأوروبية بـ”(عملية الخرطوم” لمواجهة الهجرة من دول القرن الأفريقي.
***
كيف تدفع الأموال الغربية لمكتب رئيس وزراء السودان وما هي حدود تصرفه فيها؟
أوضح المشروع أن النتيجة المتوقعة هي أن يؤدي مكتب رئيس الوزراء عمله بشكل فعال في بيئة مواتية، ولم يوضح المشروع ما إذا يقصد فعالية المكتب بالنسبة لتحقيق أهداف الشعب السوداني أم أهداف الاتحاد الأوروبي وهو الراجح وفقاً لنظرية أن من يدفع للزمار هو الذي يختار اللحن.
لستُ في شك من أمري أن مكتب رئيس الوزراء قد نجح إلى حد كبير في تحقيق أهداف الاتحاد الأوروبي وحلفائه، وفشل في تحقيق أي هدف من أهداف الشعب السوداني. كان الأداء في مكتب رئيس الوزراء مضطرباً، والفوضى ضاربة في ردهاته، والتنافس مشتعل على أشده، والصراع محتدم فوق كل تصور.
في مجال الإعلام كان هناك سكرتير صحفي، ومستشار إعلامي، وموظفة للاتصال يعملون دون تنسيق فيما بينهم، بل بتنافس وتآمر على ذات النمط الذي قرأناه في الأدب المستلهم من حكايات راسبوتين. في ذلك الخضم تم تعيين موظفة ذات خبرة رفيعة في الإعلام والاتصال المؤسسي لقيادة العمل الإعلامي بواسطة ذات الجهة الأجنبية المكلفة بالتعاقد مع موظفي المكتب، لكنها غادرت مكانها بعد أقل من أسبوعين وكالعادة لم يعلن أي شيء عن استقالتها أو فصلها.
***
كان وزير رئاسة مجلس الوزراء يتولى مسك أختام رئيس الوزراء في غيابه ويصدر قرارات الفصل والتعيين تحت توقيع رئيس الوزراء المفوض دون خطاب تفويض معلن، ودون صلاحية وفق الوثيقة الدستورية التي يحتكم الناس إليها، ودون إمكانية رفض هذه القرارات من قبل المتضررين منها بسبب غياب محكمة دستورية تعيد رسم الصلاحيات التي تلاعب بها حمدوك وصديقه مانيس “وزير شئون مجلس الوزراء السابق عمر بشير، الذي يتطلع وفق أحاديث مصادر عديدة إلى الحصول على منصب سفير بعد إعادته من المعاش وتجاوز شرط السن له في محطة نيويورك مندوباً لمجلس الأمن في السودان -وهذه مقصودة”. هل هذه هي الفعالية التي كان يرومها الاتحاد الأوروبي؟
إن جميع القرارات التي أصدرها الوزير مانيس بفصل موظفين عموميين تعتبر باطلة من الوجهة الدستورية والقانونية، إذ لا تنص الوثيقة الدستورية الحاكمة على أي ترتيب لتفويض صلاحيات رئيس الوزراء إلى وزير شئون مجلس الوزراء أو أي وزير آخر، وبهذا المعنى فإن رئيس الوزراء لا يملك تفويض صلاحياته لشخص آخر. في العادة في النظم والأعراف الدستورية توجد ترتيبات مكتوبة لتسيير الأعمال في حالة غياب الحاكم أو رئيس الحكومة ويتم إعلان هذه الترتيبات وإعلان انتهائها أيضاً. ستكون الدولة في حرج شديد إذا رفع المتضررون من هذه القرارات وغيرها دعاوى قضائية أمام المحاكم!
ما هي أهداف ممولي عمل مكتب رئيس الوزراء وما هي الأنشطة المسموح بها؟
قرر المشروع أن يتم تعيين ما بين ١٢-١٥ يتم دفع رواتبهم (محددة كرواتب ثابتة ليس فيها ساعات إضافية أو رواتب إضافية عن العمل أيام العطلات) بواسطة جهة يتم التعاقد معها بواسطة الاتحاد الأوروبي. هذه الفقرة تحسم الجدل حول رواتب العاملين التي كان يتلقاها الموظفون وهم بهذا البند موظفون لدى الاتحاد الأوروبي، وليس لدى حكومة السودان ولا يتقاضون رواتبهم من ميزانية الفصل الأول من وزارة المالية وبالتالي فهم غير محاسبين أمام حكومة السودان ولا يحق لها مساءلتهم أو الحصول على تقارير منهم أو ترقيتهم أو فصلهم.
ومع هذا الوضوح فإن لهؤلاء الموظفين التابعين لجهة أجنبية الحق في الاطلاع على ملفات الحكومة السودانية وأسرارها ومعلناتها، واتخاذ الكثير من القرارات فيها، وتوجيه الوزراء نقلاً عن رئيس الوزراء أو اجتهاداً منهم دون وجه حق ودون أن تعترضهم الشرطة أو الأجهزة الأمنية. لقد ظل ذلك الفريق يعبث في قلب الجهاز التنفيذي السوداني دون مسوغ واحد ودون حصوله على تعيين رسمي وفق النظم المعمول بها، ودون مراجعة ملفات أفراده والتحقق من سيرتهم وصحائفهم الجنائية (الفيش) كأول دولة مستقلة في العالم يعمل في مكتب رئيس حكومتها فريق كامل لا يتبع للحكومة وغير خاضع لها.
بالإضافة للفريق الذي كان يضم الشيخ الخضر، ونائبه أمجد فريد والمجموعة التي عرفت بـ(شلة المزرعة) وهي المجموعة التي حازت على نفوذ واسع دون أن تكون خاضعة للمحاسبة بسبب عدم تعيينها رسمياً. إضافة إلى هؤلاء كان هناك عدد من صغار الموظفين والإعلاميين ونشطاء الفيسبوك وتويتر إضافة إلى منتدبين من جهات أخرى دولية مثل المستشار آدم الحريكة والسيدة عائشة البرير وآخرين.
في خضم تلك الفوضى أعلنت منظمة الأمم المتحدة للتنمية (UNDP) عن وظيفة مستشار لشئون النوع في مكتب رئيس وزراء جمهورية السودان، وبعد تداول الخبر في وسائل التواصل الاجتماعي بين استهجان وعدم تصديق تم سحب الخبر لكن الكثيرين، ومنهم كاتب هذا المقال، احتاطوا بنسخة من ذلك الإعلان الغريب! لم تعد حكومة السودان هي الجهة المخدمة في مكتب رئيس الوزراء وصار الديوان الكبير وكالة دونما بواب للمنظمات الغربية لتقوم بتعيين من تشاء في الوظيفة التي تشاء ثم تلحقهم بمكتب الرئيس السعيد.
***
بالإضافة لتمويل رواتب الموظفين سيقوم الصندوق بتمويل ٤ مؤتمرات إضافة الى التكفل بنفقات السفر لكن وثيقة المشروع لم توضح من هم المشمولون بهذه المكرمة.
تم تحديد المهام المطلوب من موظفي المكتب القيام بها فيما يلي:
الحوكمة السياسية وإصلاح الخدمة المدنية، الحوكمة المؤسسية والضبط المالي والقانوني، والتواصل المدني وشئون ما بعد الصراع، إضافة إلى ضرورة أن يضم المكتب خبراء في تقنية المعلومات و(رصد بيانات الدولة)، ومفكرين أمميين في مجالات الانتقال السياسي والاقتصادي، وخبراء في التفاوض في صناعة التعدين، والاندماج الإقليمي، و(إعادة هندسة الدولة) والقطاع العام، ومسوحات الرأي العام وغير ذلك. من الواضح أن هذه المهام جميعها تصب في صالح الاتحاد الأوروبي الذي وجد الفرصة التاريخية المواتية لشراء الصندوق الأسود للدولة السودانية كلها بمبلغ ٧ ملايين دولار. يلاحظ أيضاً أن جميع هذه المهام تعني إنشاء أجهزة ضرار وموازية لأجهزة قائمة فعلاً مثل الإحصاء ووزارات المالية والعدل والخارجية والاتصالات والمعلومات وغيرها.
لتأكيد التبعية المباشرة فإن على مكتب رئيس الوزراء إرسال تقارير شهرية عن المهام التي تم إنجازها من بين القائمة أعلاه، وبالطبع فإن هناك صيغة متفق عليها لكتابة هذه التقارير حتى يسهل إدخالها في بنوك المعلومات وتحليلها.
تحتوي وثيقة المشروع على بيانات كثيرة متنوعة يجدر بالصحف ووسائل الإعلام التوفر على ترجمتها ما دام مكتب رئيس الوزراء يود الاحتفاظ بها سراً وبالرغم من قيام الاتحاد الأوروبي بنشرها وفق نظمه، فإن مؤسسات وزارة الإعلام، ووكالة سونا، والتلفزيون والإذاعة القوميين قد استنكفوا عن تناولها وتقديمها للرأي العام حتى يعرف من يحكمه.
تشير الوثيقة إلى أن خطر تشبث العسكريين بالسلطة يظل خطراً ماثلاً بصورة كبيرة، وأن على الاتحاد الأوروبي تقوية المدنيين والحرص على الحفاظ على التوازن بين الطرفين، إضافة إلى الحذر من تدهور الوضع الاقتصادي بصورة كبيرة بحيث لا يمكن استخدام ذلك كذريعة للانقضاض على السلطة، وهو ما يفسر قيام الصناديق الدولية بتوفير مبلغ قد يصل إلى المليار ونصف المليار دولار عن طريق برنامج الغذاء العالمي لتوزيعها على المواطنين بشكل مباشر، بحيث لا تتحقق الاستفادة العامة من هذه المبالغ في تمويل مشروعات تنموية تدر دخلاً وتوفر وظائف، لكنها قد تنجح في تخدير المواطن ومنعه من التظاهر بغية إسقاط الحكومة.
من الواضح أن المجتمع الدولي (الغرب) يعمل وفق استراتيجية من خطين متجانسين تضمن الأولى تقوية الحكومة المدنية المضمونة الولاء برئاسة حمدوك وتحييد العسكريين (البرهان وحميدتي) لحين انتهاء المرحلة الأولى من خطة السيطرة. إذا نجحت المرحلة الأولى سيتم إعلان المرحلة الثانية وهي تفكيك تحالف المصلحة الحالي بين القوتين العسكريتين (الجيش والدعم السريع) لصالح أحد الطرفين أيهما أكثر قبولاً بمشروع التحالف مع عبد العزيز الحلو، لكن هذا ليس ضمن أجندة مقالنا هذا.
يضم المشروع فقرات عن المساواة الجندرية والحكم الراشد ومعالجة آثار التحول المناخي وغيرها من أدبيات العبث الدولية لكن الأهم بعد ذلك هو آليات التقييم والمراجعة حيث يحق للممول إرسال بعثات منتظمة للتفتيش والمراجعة وفق نظمها، وهذا يعني بشكل صريح حق هذه البعثات في الاطلاع على الوثائق واستجواب العاملين بشكل لا تحفظ فيه.
هل حقق مكتب رئيس الوزراء الفعالية والكفاءة المنشودة؟
لم تتحقق بدليل الارتباك الكبير في أداء المكتب وما تبعه من قيام الدكتور حمدوك بفصل جميع العاملين فيه باستثناء المنتدبين من الأمم المتحدة والأستاذ علي بخيت. أفادت مصادر صحفية وثيقة الصلة بالمكتب أن حمدوك اجتمع قبيل إجراء تعديلات في مكتبه مع بعض قيادات الأمانة العامة لمجلس الوزراء، وأشار إلى أنه بعد مضي سنة ونصف اكتشف أنه لا يوجد رصد دقيق لنشاطه، ولا يعرف موقف تنفيذ ما يصدره من توجيهات، ولا توجد لديه صورة عن تقارير الأداء التنفيذي في الوزارات، ولا حتى رصد أو تقرير يتناول المعالجة الإعلامية في الصحف لأداء الحكومة، وتساءل عن لماذا يحدث ذلك، وأين المشكلة بالضبط؟ ترى هل كانت تلك الأسئلة للحصول على المعلومات اللازمة له لأداء مهامه، أم كانت وفقاً لطلب لجنة مراجعة الأداء التي كلفها الممول؟ من الصعب الإجابة، لكن موظفي الأمانة العامة أبلغوه بأن مكتبه قد خلق مؤسسات ضرار وازدواجاً في المهام واستبعد الهياكل البيروقراطية المتعارف عليها من أداء وظيفتها.
لم ينجح موظفو المكتب الذين قام حمدوك بتعيينهم في أداء مهامهم وصارت دعوات اجتماعات مجلس الوزراء تصدر للمرة الأولى في تاريخ البلاد دون جدول للأعمال وتبدأ بما يخطر على بال الدكتور حمدوك والحضور وتنتهي كيفما اتفق.
هناك الكثير جداً ليكتب عن خطايا مكتب حمدوك، لكن الأبشع من ذلك أن مشوار تصحيح الأوضاع الذي بدأ بطرد الطاقم القديم ومحاولة تعيين طاقم جديد لم يخاطب مواطن القصور وإنما أتى كتأسيس جديد منفصل لا يبني على القديم وتم تعيين وزيرين سابقين هما الأستاذ فيصل محمد صالح كمستشار إعلامي والأستاذ عمر قمر الدين كمستشار لما عرف بـ(الشراكات الدولية) ولا يعرف على وجه التحديد مهامه في ظل وجود وزارة للخارجية وسفارات منوط بها عمل شراكات السودان الدولية، كما تمت إعادة تعيين الدكتور آدم الحريكة مديراً تنفيذياً للمكتب وأعيد توظيف الأستاذ علي بخيت لأداء مهام المدير الإداري.
أما وزارة شئون مجلس الوزراء فقد تولاها ضمن المحاصصة الجديدة الوزير الشاب خالد عمر يوسف وهو مهندس غير ممارس وعديم الخبرة نهائياً في الشئون الإدارية والبيروقراطية والغالب أن اختياره للمهمة المعقدة يقع ضمن مشروع حمدوك الهادف لتهميش الأمانة العامة لمجلس الوزراء، واستبعادها من عملية صناعة ومتابعة القرارات في الحكومة الانتقالية وتمكين وكالة التنمية البريطانية والاتحاد الأوروبي – مكتب الخرطوم من رقبة الجهاز البيروقراطي السوداني.
صحيفة الصيحة