الراى السودانى
:: يوم السبت، تم افتتاح مجمع أشرف سيد أحمد الكاردينال لجراحة العظام بمستشفى أم درمان التعليمي، وكنت من الحاضرين.. ورغم أن هذا المجمع الحيوي من المرافق العامة، فالغريب في دعوة الافتتاح، أنها كانت من أشرف الكاردينال، وليس من وزارة الصحة أو إدارة المستشفى، أو كما كان يجب أن يكون.. ثم الأغرب في مناسبة الافتتاح هو غياب من نلقبهم بالمسؤولين..!!
:: فيما حضر سفراء السعودية والإمارات وقطر وتشاد، غاب وزير الصحة الاتحادي ووكيل وزارته ووالي الخرطوم ومدير الصحة الولائية.. كلهم غابوا.. وظل غيابهم مثار همس الجميع طوال مراسم الافتتاح، إلى أن جاهر به عضو مجلس الشركاء ورئيس حركة تحرير السودان مني أركو مناوي، في خطابه بالنص: (كنت أتوقع حضور مسؤول حكومي في هذا الافتتاح، لكن لم أجد أي مسؤول أو ممثل للحكومة لمساندة ودعم مثل هذه الأعمال)..!!
:: عفواً، لكي لا نظلم كل الذين نلقبهم بالمسؤولين، يجب التأكيد بأن أحدهم قد حضر.. نعم، قبل انتهاء مراسم الافتتاح بسبع دقائق، أعلنوا عن وصول مدير إدارة بالصحة الولائية.. نعم، بعد عرض كل غرف العمليات الجديدة – 6 غرف – على الشاشة، وبعد أن تحدث ممثل المستشفى والكاردينال ومناوي، وقبل انتهاء كل مراسم الافتتاح بسبع دقائق، رحّبوا بممثل صحة الخرطوم، ولا ندري إن كان قد مثلها – بهذا التأخير – أم مثل بها..!!
:: على كل حال، كما ذكر مناوي، فإن هذا العطاء ليس بغريب على رجل، كثيراً ما تجاوز عطاؤه ضيق الملاعب إلى رحاب الوطن.. ومن مكارم الأخلاق أن نقول لمن أحسن عملاً (أحسنت)، ولقد أحسن الكاردينال كثيراً.. وعلى سبيل المثال، هناك مستشفى بكادُقلي، مراكز لغسيل الكلى بالأبيض والجنينة، غرف العناية المركزة بعطبرة، مستشفى للأطفال فاقدي السند، ثم مراكز للكلى والسرطان ببورتسودان ونيالا.. و.. و.. لم يتأخر الكاردينال عن نداء..!!
:: ثم أن الحال بمستشفى أم درمان غارق في بحر التردي، لحد العجز حتى عن نظافة مدخل المجمع المراد تدشينه، فالمدخل عبارة عن (كوشة).. هي أزمة الإدارة الموبوءة بها كل مشافي البلاد، وليس مستشفى أم درمان وحده.. وكما كتبت كثيراً، فإن أزمة إدارة المشافي في بلادنا ذات جذور، لا يمكن استئصال هذه الجذور إلا بثورة شجاعة.. أكرر، أكبر كوارث المشافي في بلادنا هي الإدارة.. وليس المال أو الطبيب..!!
:: إدارة المشافي فرع من (علوم الإدارة)، وعلم يُدرس بالجامعات، بحيث يتخرج خريجها – بعد سنوات التعليم النظري والعملي – عارفاً كيفية إدارة المرفق الصحي بكامل التجانس والتنسيق مع الفريق الطبي.. ولكن هنا في السودان – كما في كل الدول المتخلفة – يأتون باستشاري أمراض القلب أو باختصاصي النساء والتوليد ليشغل منصب (مدير عام) و(مدير إداري) و(مساعد المدير العام)، وغيرها من المواقع الإدارية..!!
:: ولعلكم تعلمون بأن إدارة المشافي بالشركات المتخصصة لم تعد بدعة في عالم اليوم الذي يقدس المؤسسية والتخصص، ولكن الاقتراح بهذا النوع من الإدارة يعد جنوناً في بلادنا، لأن التقوقع في نُظم القرون الوسطى هو الراسخ في العقول.. وعليه، نناشد حكومة الثورة – للمرة العشرين – بأن تُدار المشافي بواسطة الذين درسوا وتخصّصوا (علوم الإدارة)، وليس بواسطة الذين درسوا وتخصّصوا (علوم الطب)، كما يحدث حالياً..!!
الطاهر ساتي – صحيفة الصيحة