السودان اليوم:
زيارة رئيس الوزراء المصري السيد مصطفى مدبولى والوفد المرافق له للخرطوم لم تأتي بجديد فذات النهج المصري الذى تحركه المصالح ظل هو هو ما يحكم كل تحركات القاهرة نحو الخرطوم وحتى من يمسكون بملف العلاقات بالقاهرة من ضباط الامن والمخابرات لم يتغيروا وظل مُتوارثاً في فئة مُعينة مُتشربة بالتاريخ المصري السودانى وهذا يتضحُ من ذات المفردات التى ظلّت تكررها الوفود المتعاقبة في زياراتها للخرطوم كأزلية العلاقات والمصير المشترك ورباط النيل والطبيعة ولكنها لم تحمل في يوماً ما مشاريع إستراتيجة تحمل في طياتها الديمومة وتقدم مصلحة الشعبين فكلها كانت ذات صبغة سياسية تحمل توجه من يجلس على كرسي الحكم بالقاهرة و الخرطوم كاتفاقية الدفاع المشترك بين الرئيس نميري والسادات واذاعة وادى النيل وبرلمان وادى النيل والتواجد الاستخباراتى الضخم الذى كانت تحتضنه جامعة القاهرة فرع الخرطوم .
(برأيي) أن زيارة السيد مدبولى الاخيرة لم تحمل أى جديد في ملف العلاقات بقدر ما جاءت بحثاً عن مصلحة للجانب المصري بخصوص سد النهضة وجاءت (كلام ملوش طعم) كما يُقال فماذا يعنى حرص مصر على تطلعات الشعب السودانى في التقدم والازدهار ! و ماذا يعنى إستعدادها لمعالجة مُصابى ثورة ديسمبر وماذا تعنى بحث سُبل فرص الاستثمار للشركات المصرية وماذا يعنى لنا إعادة هيكلة هيئة وادي النيل للملاحة النهرية . بل و ماذا تعنى لنا أن تُقدم مصر مائتي منحة دراسية بجامعة القاهرة في مقابل مائة من السودان للمصريين . وماذا يعنى رغبة مصر في زيادة الربط الكهربائي بين البلدين من (70) ميجاوات الى (300) ميجاوات (كلام مُكرر) . ولم تغفل المحادثات الاهتمام المصري بمفاوضات السلام الجارية في (جوبا) وزيارة رئيس المخابرات المصري السيد عباس لجوبا والخرطوم لذات الغرض كل هذا كلام ولكن (برأيي) أن (زبدة) الزيارة جاءت في الاتفاق على عدم إتخاذ أي إجراء آحادى حول سد النهضة قبل حل مرضٍ للدول الثلاث بعد التعنت الاثيوبى الذى شرع في ملء البحيرة ، تقريباً ذات (الكلام) هو ما تم تداوله مع السيد عبد الله آدم حمدوك رئيس الوزراء و مع رئيس المجلس السيادي الفريق البرهان اللهم إذا زدنا على ذلك دعوة الرئيس السيسى للبرهان لزيارة مصر قريباً .
إذاً ما تم خلال الزيارة هو صورة طبق الاصل لكل الزيارات السابقة المتبادلة بين مصر والسودان باستثناء فترة وزير الخارجية ا(البروف) إبراهيم غندور التى إستطاعت أن تحدث إختراقاً قويا لوضع العلاقات في مسارها الصحيح و لو قدرلهذا للرجل أن يستمر لوصلنا لمعاملة (الكتف بالكتف) ولكن ما دام مطار الخرطوم يستقبل طائرات معلبات أدفينا ومربي قها وبطاطين سوق العتبة فستظل العلاقة دون المطلوب وما دامت القنوات المصرية تستضيف ملاك شقق القاهرة و(6) اكتوبر من السودانيين الذين ظلوا يحصرون علاقة الدولتين في حُسن مُعاملة الجيران وما يختزنونه من ذكريات عم بسيونى البواب و الحاجة أم أشرف بائعة الطماطم فتلك لن تكن علاقة بين دولتين مُطلقاً ولن تحقق تطلعات شعبين كان يمكن أن يكتفيا سوياً بمواردهما الذاتية .
إذاً سد النهضة كان عرضاً وليس مرضاً وإنما المرض في العقلية المتأخرة التى ما زالت تدير العلاقة بين الدولتين ، فمصر تريد السودان قاعداً ومورداً للمواد الخام والسودان لا يري سوي مصر رئة يتنفس بها وهنا الخلل ! وبين هذا وذاك يتم البيع وشراء الذمم وتظل (العجول) وحب البطيخ و الكركدي وحلل الالومنيوم وأفران الكهرباء هى أقصي طموح السياسيين ! مشروع واحد لتصنيع اللحوم والالبان إذا اقيم بصدق لكفى البلدين من كل هذه البضاعة (الفارغة) ، إستثمار مشترك في المجال العلاجي لو أقيمت بالسودان مستشفيات مُتخصصة لوفرت مئات الآلاف من الدولارات تذهب يومياً للقاهرة ، مصانع للغزل والنسيج لو أقيمت بصدق لغرق السوق العالمى بالمنتجات القطنية ولنافسنا الهند باكستان يا سيدي بتركيا مدينة كاملة تصنع (البشاكير) فقط فما الذى يمنع مصر والسودان عن هذا الفهم .
دعونا نقفز فوق المرارات و التاريخ المزور الذى ظلت كتب القاهرة تغذي به عقول أبنائها و أبنائنا في فترة ما فمن منا لم يدرس قطن نجع حمادى والمحلة الكبرى وما دخلنا برمسيس الاول والثانى وتوت عنخ آمون دعونا نقفز فوق الجدال العقيم عن عدد الاهرامات هنا وهناك فهذه لن تجدى نفعاً مع جيل التقانة الحالى فقد وعى الناسُ دور علم المصريات وعلاقته بعصر النهضة الاوربية ودورة في سرقة تاريخنا ! وأدرك الناس أين التاريخ الحق و مَنْ سرق حضارة مَنْ ومَنْ (حطّم) أنوف التماثيل ليطمس البيئة والانتماء ، فلنطوِي هذه الصفحة القاتمة من تاريخنا المليئة بالاتهامات والاتهامات المُتبادلة والاستقطاب. وليدرك البلدان أن مصيرهما المشترك إن لم يأتِ بمصلحة حقيقية على الارض تنهض بمستوى معيشة الشعبين فلا فائدة من هذا المصير (الكلامى) الذى ظللنا نردده لعقود ، فعمر التاريخ لن يكُن تاريخاً واحدا ولو تعانقت الطبيعة والجغرافيا (فعرابى) لن يكون (المهدي) ولا (سعد زغلول) سيكونُ (عثمان دقنة) إذاً فليقرأ كلٌ منّا تاريخه بما يبقيه حيّاً في نفوس أجياله وليترك الآخرين يقرأون تاريخهم كيفما شاءوا.
قبل ما أنسي :ـــ
لو إستفاد السودان من خريجى الجامعات المصرية في إدارة ملف العلاقات الثنائية بين البلدين لوفر على نفسه كثيراً من العناء .
The post زيارة رئيس الوزراء المصري القديم المتجدد.. بقلم صبري محمد علي appeared first on السودان اليوم.