* تحدثت كثيراً عن المؤتمرات الصحفية التي يحضرها المؤيدون والسياسيون، ومزاحمة الصحفيين والجلوس على الصفوف الأولى والتصفيق للمتحدث في نهاية المؤتمر الصحفي وكأنها ندوة أو ليلة سياسية، بالإضافة الى تسجيل اسماء الصحفيين الراغبين في إلقاء الأسئلة وطرحها بنظام (الكوتة) ليجيب المتحدث عن ما يعجبه منها ويتجاوز بعضها او معظمها، او يمر عليها مرور الكرام الى ان ينتهي المؤتمر بدون ان يفهم احد شيئا، مثلما حدث في المؤتمر الصحفي لرئيس الوزراء اول امس، الذى لم يخرج منه الحاضرون او المواطنون المتابعون للمؤتمر عبر شاشات التلفزيون الا بشيئين فقط هما، صحة قائمة الولاة الجدد التي تسربت قبل وقت طويل من المؤتمر الى وسائل التواصل الاجتماعي، وتصفيق المؤيدين والسياسيين الذين حضروا لمؤازرة الدكتور حمدوك، ولم يكن هنالك شيء غير ذلك، مما نزع عن المؤتمر اسمه وصفته ومعناه!
* كما استمر الدكتور (حمدوك) في انتهاج الغموض وعدم الشفافية والتحفظ القاتل في الاجابة على أسئلة الصحفيين ووضع النقاط فوق حروف القضايا التي تشغل الرأي العام، ساعده على ذلك نظام الكوتة المصمم للهروب من الاجابة، وهو ما يدل دلالة قاطعة على الاستهانة الشديدة بمهنة الصحافة والصحفيين بل والرأي العام بأكمله، رغم ما ظل يردده الدكتور من ايمانه العميق بالانفتاح على الصحافة والصحفيين، وبصراحة شديدة لو كان هذا هو الانفتاح على الصحافة والراي العام الذى يفهمه الدكتور، فمن الأفضل ألا يرهق نفسه ويتكبد مشقة الانفتاح وعقد المؤتمرات الصحفية وتكبيد الصحفيين مشقة الحضور وارهاق الناس بانتظار المؤتمر والاستماع الى اجابات وإفادات لا يفهموا منها شيئا، أما إذا كان الهدف حشد المؤيدين والمصفقين، فمن الأفضل اللجوء الى المهرجانات الخطابية والليالي السياسية ففيها متسع للتهريج والتصفيق !
* هل يجب علينا بعد نهاية كل مؤتمر صحفي ان نقول ان من اهم قواعد المؤتمر الصحفي، بل من أبجدياته ان يُسمح بالحضور للصحفيين فقط، وبعض المسؤولين الذين يمكن الاستعانة بهم للمساعدة في الاجابة على الاسئلة وإضافة المزيد من المعلومات، وليس جوقة المهللين والمصفقين، وحتى حضور الصحفيين يجب ان يكون محكوما بضوابط معينة كما تفعل معظم المؤسسات الرسمية في دول العالم بان يكون هنالك مندوبين ثابتين او مؤقتين للصحيفة او الجهار الإعلامي، مفوضين من صحفهم واجهزتهم لحضور المؤتمر وحمل مستند يثبت ذلك، أو إخطار الجهة المنظمة للمؤتمر الصحفي بذلك قبل وقت كاف ..إلخ بالإضافة الى مراعاة الإجراءات الأخرى التي تتخذها الاجهزة المعنية لضمان النظام والامن وتحقيق اهداف المؤتمر الصحفي، ولا يجب السماح لأى شخص يحمل بطاقة صحفية او اعلامية بالحضور، وإلا لسادت الفوضى واحتاج منظمو المؤتمرات الى ميادين كرة قدم لاستيعاب كل الحاضرين!
* ويجب التأكد قبل المؤتمر من كفاءة كافة التجهيزات التقنية والخطط الاحتياطية في حالة حدوث أي طارئ مثل انقطاع الكهرباء وتعطل بعض الاجهزة .. وهي اجراءات تحدث في كل بقاع الدنيا ما عدا في بلادنا، ولقد لاحظت خلال المؤتمر الاخير انقطاع البث الحي عبر الانترنت لوكالة السودان للأنباء عدة مرات، وعدم وضوح الصوت لبعض الاسئلة من المنبع، وهى عيوب ظلت تتكرر كثيرا بدون ان تثير قلق احد او اهتمامه، حتى في المؤتمرات الصحفية لرئيس الوزراء دعك من الوزراء وصغار المسؤولين!
* كما ان الاجابة يجب ان تكون لكل سؤال على حدة، وليس تجميع الاسئلة بنظام الكوتة ثم الاجابة عليها، حتى يسهل على المسؤول الاجابة على السؤال، وعلى المتابع الفهم، وحصول السائل على اجابة واضحة عن سؤاله أو اعتذار المسؤول عن الاجابة عنه، بدلا عن (الدغمسة) التي تحصل في نظام الكوتة، بالإضافة الى كسب الوقت ومنع تكرار الاسئلة ولقد اشتكى رئيس الوزراء عدة مرات اثناء المؤتمر من تكرار الاسئلة، والسبب هو طريقة الاجابة بالكوتة التي تسمح للمسؤول يتخطى الاجابة عن بعض الاسئلة احيانا أو عدم إعطاء اجابة واضحة فيضطر صحفيون آخرون لتكرار نفس السؤال، بالإضافة الى ان النظام المتبع بتسجيل الاسماء قبل الاستماع للإجابات، يجعل السائل يكرر نفس السؤال الذى سبقت الاجابة عليه عندما يحين دوره لمجرد الظهور، بدلا من الاعتذار بان سؤاله قد أجيب عليه!
* عندما رأيت وزير الاعلام على منصة المؤتمر الصحفي الاخير لرئيس الوزراء، استبشرت خيرا بان يكون على شاكلة المؤتمرات الصحافية العالمية التي نشاهدها على الشاشات باعتباره صحفيا كبيرا وخبيرا اعلاميا بارزا، ولكنني فوجئت بنفس النمط التقليدي للمؤتمرات الصحفية العقيمة التي ظللنا نشاهدها للمسؤولين في بلادنا ولا نخرج منها بشيء غير ضياع الزمن وازدياد الحيرة وتصفيق المؤيدين !
صحيفة الجريدة