بعيدا عن رفض أو قبول تعيينات الولاة المدنيين، وطالما أنه أضحى أمرا واقعا ووجد قبولا من العديد من فئات الشعب، وإستنكارا من البعض الآخر، يظل هو الأمر الواقع الذي لابد من التعامل معه باعتبار أن الولايات ظلت في حالة غياب تام عن إهتمام المركز بعد أن سيطرت الصراعات المستمرة بين الشركاء على الوضع طيلة الفترة الماضية. ولكن وضح تماما أن هناك أيادِ عابثة ظلت في حالة يقظة وأشعلت فتيل الأزمة في عدد من الولايات بغية إستمرار الوضع غير المستقر بالبلاد تنفيذا لأجندة معينة ليس من بينها إستقرار الوطن بأي حال، وهو ما دعى البعض لإستخدام القوة لوقف الحركات الإحتجاجية في عدد من الولايات الرافضة لتعيين ولاة بعينهم، وتحذيرهم من مغبة الإستمرار في هذه القرارات.
وهنا لا بد للحاضنة السياسية وشركائها في الحكم من الإنتباه لبعض المطلوبات، وهي أن المرونة في تقبل هذا الرفض بوسائله المختلفة، هو أكبر إمتحان في تطبيق الديمقراطية وترسيخا لمبادئ ومطالب الحكومة المدنية التي قامت لأجلها الثورة ورفعها الثوار بممثليهم شعارا لهم، وفي نفس الوقت يعتبر أكبر كاشف لنوايا الطرفين ومدى إيمانهم بما تمَ الإتفاق عليه، وسعيهم الحثيث لإنزاله على أرض الواقع.
المطلوب الآن الإنتباه جيدا والحرص الشديد من قبل الثوار وقوى الحرية والتغيير بقفل الثغرات التي يمكن ان ينفذ منها الشياطين المتربصين بالثورة والساعين لإفشالهما بزرع الفتنة بين مكونات الجسم الواحد المكون لقوى الحرية والتغيير، وهم كُثر ومعروفون بمسمى (أهل الثورة المضادة)، وحتى من المجلس العسكري ذات نفسه ومن يقف خلفه محركا ومحرضا، لذا دعونا نبحث عن آليات لجعل هذا الامر ممكنا ومقبولا، ومنها وضع برنامج قوي لهؤلاء الولاة لإقناع القاعدة الرافضة لوجودهم على حكم الولاية.
وفي ذات الوقت العمل على إستمرارية الثورة حتى لا تخمد جذوتها، وحتى لا نمنح اصحاب الثورة المضادة فرصتهم في تنفيذ مخططهم الخبيث في سرقة الثورة وإفشال سيرها نحو المدنية المنشودة، وهنا لا بد وأن نطرق بعنف على خطر قيام المواكب الرافضة للتعيينات، لأنها ورغم قلتها تبقى( قنبلة موقوتة) وقبلة للمندسين واصحاب الأجندة من اهل الثورة المضادة، وهذه القنبلة يمكن ان تنسف ما تحقق وتقفل الطريق أمام الحكومة المدنية القادمة في تحقيق العدالة التي كانت شرطا وبندا ثابتا وحاضرا في جميع جلسات الساسة وصبَات الثوار، وسيعلق الباب أمام تنظيف مؤسسات الدولة من الفساد وتفكيكها من الداخل طالما أن السلطة باتت في أيد أمينة من قبل مرشحي الحرية والتغيير. إضافة لمطلب تحقيق السلام والتنمية المتوازنة لجميع ولايات السودان. وللسلام مطلوباته أيضا وهذا سيكون له جانب آخر نتحدث عنه لاحقا.
إسترضاء معظم فئات الشعب إن لم يكن الجميع، هو أحد واجبات الحكومة الإنتقالية القادمة، حتى لا (نشتت الكورة). ونمنح الخصم فرصة تسديد أهداف قاتلة سيدفع ثمنها الجميع.
وإستمرار جذوة الثورة مشتعلة هو دور ممثلو قوى الحرية والتغيير التي ظلت العين الساهرة للثوار، وهم اصحاب الثقة الذين فوضهم الشعب ومنحهم صك نزاهة وثقة وعلى بياض في مفاوضة العسكر نيابة عن الشعب طيلة الاشهر الفائتة، وأيضا هو دور للجان المقاومة، الحارس الأمين للثورة والضامن الابرز لتحقيق مطلوباتها والمهدد الحقيقي لأي خيانة واردة من العسكر او اصحاب الاجندة من المدنيين المستشبثين بالسلطة واللاهثين خلفها بقوة.
الفتنة نائمة، ولعن الله من ايقظها.
صحيفة الجريدة