كتب وزير الصناعة والتجارة مدني عباس مدني، مقالاً مطولاً امتزجت فيها الفصحى بالدارجة، يدافع فيه عن نفسه تجاه الحملات التي تتهمه بالفشل في أداء مهامه خلال أشهر خلت، كما احتوى المقال على خططه المستقبلية في مجالي التجارة والصناعة تركيزاً على الدقيق وما أدراك ما الدقيق.
من بين أسطر المقال تشعر بانزعاج الوزير من النقد الموجه له ومن الحملات ضده التي يعتقدها، وهذا شعور – إن صدق حدسنا – غير مبرر، لأن ذلك من طبيعة المنصب العام والشخصيات العامة، وطبيعة النظام الديمقراطي الذي يضع المسئول تحت طائلة النقد والمحاسبة والمحاكمة في محكمة الرأي العام التي تمددت افقياً ورأسياً، خاصة، كذلك يتصاعد النقد كلما كانت حجم الآمال الواقعية كبيراً والنتائج ضعيفة، وهذا بالضبط ما حدث بعد الثورة فالتطلعات والأحلام في حكومة الثورة لتجاوز وحلحلة ولو قليل من مشكلات المواطنين الطبيعية كانت عظيمة أحبطتها بعض المحصلة خلال البدايات .
كما يجب على الوزير إدراك حقيقة الأخطاء والتخبط الذي وقع فيه في الأشهر الأولى من توليه المنصب على شاكلة، حظر تصدير سلع ثم التراجع عن ذلك، ومنع عمل الأجانب ثم التراجع عنه، وقيامه شخصياً بمراقبة المخابز مع لجان المقاومة وتسجيله مداهمات ليلية في بعض الأحياء، وهو عمل أبعد ما يكون عن مهمته الرئيسة، ثم جاءت قاصمة الظهر ببذله وعداً خلال حوار تلفزيوني بإنهاء أزمة الخبز في ثلاثة أسابيع، دون أن يفي بذلك الوعد، وكل تلك الأسباب مجتمعة، استوقفت كثيرين ودفعتني شخصياً في مرة من المرات إلى مطالبة السيد مدني عباس مدني بالإستقالة والاقرار بالفشل والاخفاق فيما ألزم به نفسه، وهي مطالبة يمكن أن تتكرر بعد ذلك مرات ومرات، وأظن أن مدني هو أكثر من استفاد من ذلك النقد بتحسن الأداء والابتعاد عن كل ما هو ليس في مجال اختصاصه.
مع الضجة التي أثيرت عن عدم قبول استقالة وزير الصناعة والتجارة، ضمن استقالات أخرى قبلها رئيس الوزراء الدكتور عبد الله حمدوك، الخميس الماضي، منها 5 من وزراء القطاع الاقتصادي، سألت عن الأسباب، وهناك من أفادني أن رئيس الوزراء، رأى أنه من المبكر الحكم على أداء السيد مدني عباس مدني، لأن الوزير عمد في الفترة الأخيرة إلى وضع معالجات جذرية لكل الأزمات المرتبطة بوزارته، وليست وضع مسكنات مرحلية، وقد يكون هنا السبب مقبولاً إلى حد كبير، لان المعالجات الجذرية تحديداً في وضع السياسات العامة وإحداث آليات التنفيذ والمراقبة هو الأجدى من “مساككة فرن في الازهري أو الحاج عبدالله”.
والفرصة لا تزال متاحة أمام الوزير للنجاح لكن الزمن ليس من صالحه تماماً والمطلوب جهودٌ مضاعفة حتى لا ينفد صبر الناس، خاصة ما يلي قصة الخبز التي إن تحل ستنعكس آثارها على الجميع عل كل “الموية تكضب الغطاس”، ولو أن مدني طلب منا أن نسدي له نصيحة، فعليه في الوقت الراهن التركيز فقط على الذهب وتسهيل مهمة تصديره لأنه لا خيار آخر متاح الآن للاقتصاد السوداني غير الاعتماد عليه كلياً، كما عليه أن يتذكر دوماً وأبداً أن “ألمي حار….” بالفعل يا سيدي لن تدعك شبكات المصالح لكي تنجح ولن ندعك نحن ونصمت على أي فشل.
صحيفة السوداني