غير مصنف

السودان: عثمان جلال يكتب: ساقية جحا

الانتباهة اون لاين موقع اخباري شامل

في عصف سياسي وسط مجموعة متباينة فكريا وسياسيا رددت فيه دوافع الحساسية المفرطة لبعض قيادات حزب الأمة القومي مع الحركة الإسلامية تصدي حركة الاسلام لقيادة ثورة الوعي والاستنارة والتعليم في حركة المجتمع السوداني، مما يحتم على الحزب البرجوازي الطائفي تغيير نمط العلاقة القيادية والتنظيمية مع حاضنته الجماهيرية والتي تقوم على مبدأ الوراثة في القيادة والتبعية،والتعاطي بشجاعة فكرية مع اسئلة تجديد القيادة، وبناء الحزب المؤسسي الحديث أو مواجهة مصير الانقراض والتلاشي بالتقادم، والرأي قبل شجاعة الشجعان،، هو الأول وهي المحل الثاني

أنكر البعض اي دور للحركة الإسلامية في ومضات الإشعاع والتنوير وثورة التغيير، وفي رأي هذه محض خلاصات عدمية، لأن تجربة الإنقاذ في الحكم ليست شرا مطلقا،فهنالك إنجازات شاهقة وبادية وراء كل إطار، بل إن تيار السلطة داخل الانقاذ تبنى شعارات الحركة الإسلامية التجريدية والمتمثلة في قيم التحرر والعزة والوعي، وحفز طاقات المجتمع، واستنهاض قدرات قاعدة الحركة الإسلامية الاجتماعية، ولكن ثالثة الاثافي ابتغى هذا التيار توظيف واختزال هذه القيم في تمكين ذاته في القيادة والحكم لما لا نهاية، وهذه نزعة لا تستقيم مع جماعة فكرية وسياسية أساس التوالي في كيانها التنظيمي الوعي والفكر، والتحرر من الولاء للذوات والأشخاص. وإزاء هذا السلوك تكثفت تيارات الإصلاح والتغيير داخل المؤتمر الوطني بعضها اختار البقاء والإصلاح من الداخل، وبعضها اختار المفاصلة والتمايز في كيانات سياسية متجددة، وبعضها اختار المناجزة بالسنان، وبعضها في تيارات فكرية وتأملية وتلاقت كل هذه الارادات النازعة للثورة والتغيير مع إرادة القوى السياسية الوطنية،وإرادة المجتمع السوداني، وتوجت هذه الإرادات الغلابا بالثورة السودانية المجيدة التي أزاحت تيار الأقلية الاستبدادي في أبريل 2019م.

لكن بدلا من انتظام هذه الإرادة الوطنية الغلابا في كتلة استراتيجية حرجة لإنجاز مهام الانتقال والتحول الديمقراطي العميق نزعت مجموعات سياسية فوضوية وجزافية وبعقلية الدجاجة الصغيرة الحمراء لاختزال مشروع الثورة السودانية في محاصصات حزبية وثنائيات مدمرة، وارتد الفعل السياسي الوطني لذات مربع التكتيكات العقيمة والمتمثلة في الانقسامات والشروخات الدامية وسط القوى السياسية والتي تنتهي بتسلل احد الأحزاب السياسية للمؤسسة العسكرية والاستقواء بها لاجهاض التجربة الديمقراطية وهي في مخاض صراع الرؤى والتكوين، ثم تنزع هذه القوى السياسية لإبعاد العناصر العسكرية وتحويل الحكم لدكتاتورية مدنية، ولكن تنتهي المواجهة بانتصار حاسم للعناصر العسكرية، ثم تتوحد وتتكتل القوى السياسية الوطنية من جديد، وتفلح في كسب ثقة وقيادة الجماهير، وإسقاط النظام الاستبدادي ثم ينفض تحالف بيت العنكبوت الهش من جديد بذات الدورة الخبيثة التي مازت السياسة السودانية منذ الاستقلال.

هذه الدورة الشريرة في فقه الحكم أشبه بالمثل الإداري الشائع(ساقية جحا تشيل من البحر وتكب في البحر) والذي يضرب للتمييز بين مفهومي الكفاءة والفاعلية فهذه الساقية تمتاز بالكفاءة وهي القدرة على إنجاز العمل، ولكن تعوزها الفاعلية وهي تحقيق الهدف النهائي والاستراتيجي والمتمثل في السقاية والرعاية حتى يستوي الزرع قمحا يسر الناظرين.

لذلك فإن السؤال الاستراتيجي والذي يحتاج التعاطي معه لإرادة وهمة وطنية شامخة هو، متى تتوحد القوى السياسية الوطنية وتنتظم في كتلة تاريخية حرجة واستراتيجية لإنجاز اهداف ما بعد الثورة والمتمثلة في إدارة المرحلة الانتقالية، وإدارة قضايا البناء الوطني الكلية وترسيخ مشروع الديمقراطية التوافقية في أشكال تنظيمية، وبنية مؤسسات، وثقافة مجتمعية وأحزاب سياسية حديثة تكسب هذه الديمقراطية الاستمرارية والمشروعية واستحالة الارتداد وخلق قابلية وسط المجتمع والقوى السياسية لإجهاض المشروع الديمقراطي ؟؟

في اعتقادي أن الجيل القيادي الحالي رغم نضجه الفكري وتراكم تجربته السياسية الا ان هذا التراكم لم يعمق فيه الحكمة والسمو الوطني، بل اورثه البغضاء وروح الانتقام والتشفي،والانانية وشح الأنفس، بالتالي فهو جيل غير مؤهل للتعاطي مع هذه الأسئلة الاستراتيجية وعليه الترجل وافساح الساحة لجيل قيادي جديد متحرر من هذه الأمراض، ولديه القابلية للتعاطي مع القضايا الوطنية بسمو دون مغالاة ايديولوجية.

The post السودان: عثمان جلال يكتب: ساقية جحا appeared first on الانتباهة أون لاين.

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى