مسرحية (هو وهي ) الخالدة في وجدان الشعب السوادني …والتي جسد فيها علي مهدي واحدا من اجمل ادواره (دا في اعتقادي الشخصي) ..وابدعت تحية زروق في تمثيل النفس الداخلية لمحمود .. في احد مشاهد المسرحية يصاب محمود بالزار ..وتتم اقامة طقوس زار له ..كل دقيقتين يوقف الرقص بترديد كلمة (طلبات .طلبات ..طلبات ) ..ومن ثم يبدا في سرد مطالبه الطريفة مثل (انا عايز عروس مغتربة تجيب لي الشيلة 25 قميص و25 بنطلون)…بيني وبينكم لا أذكر نهاية المسرحية ..والحقيقة ان اكثر ما علق بذهني هو طلبات محمود المذكورة أعلاه.
تناقلت الأسافير مطالب الحركات المسلحة التي تجلس على طاولة المفاوضات هذه الأيام مع وفد الحكومة ..الحركات تطالب بالنصيب في السلطة (نسبة المجلس التشريعي ..عدد من الحقائب الوزراية ..الخ الخ )..كنت أقرا واستعيد اغنية عقد الجلاد (المناظر هي ذاتها والصور نفس المشاهد) ..من (تبينا وقمنا ربينا) هناك حرب ما مشتعلة في جزء ما من الوطن ..وعند الجلوس لطاولة المفاوضات ..تكون الطلبات على شاكلة (25 قميص و25 بنطلون) ..ولا مرة سمعت بحركة او جهة معينة دفعت بخطة تنموية عاجلة للمنطقة التي تمثلها وطالبت بسرعة انجازها وانزالها على الأرض .
لماذا يتم رفع السلاح باسم التهميش وقلة الخدمات والفقر والجهل وعند الجلوس على الطاولات تبقى القصة كم حقيبة وزارية وكم كرسي في المجلس التشريعي وكم قميص وبنطلون ؟؟ ..هل القصة هي ان يشارك ابناء المناطق المهمشة في الحكم لكي يأتوا بالتنمية لأهلهم ؟ ..فكرة برضو ..لكن انظر حولك ودلني على منطقة في السودان قامت الحكومة بتنميتها لان اولاد تلك المنطقة في سدة الحكم !! ان قلت الشمالية ..اقل لك (كضبا كاضب) ..لا يزال الأطفال في الشمال تقتلهم لسعات العقارب في قرى لم تمتد اليها أسلاك الكهرباء ..ويترحل التلاميذ بمراكب لا توجد فيها ابسط مقومات السلامة ولا يزال غرق اطفال المناصير في الأذهان. اغلب المدارس والمستشفيات في الشمال نتيجة مجهود روابط المغتربين في الخارج الذين يقومون بجمع الاموال ومتابعة انشاء المباني وارسال الاجهزة ومن ثم يسلمونها للحكومة التي لا تبذل جهدا غير حضور احتفال الافتتاح وقص الشريط.
الامر ينطبق على الوسط ونهر النيل ..وقد حكيت قبل زمن عن منظر تلك الصغيرة التي شاهدتها من نافذة القطار وكانت تحمل (جركانة موية) تسير بخطوات متثاقلة تحت حملها ..والقرية تلك تقع على ضفاف النيل وعلى بعد عشرات الكيلومترات من الخرطوم …قرى تقع علي اطول انهار العالم تموت من العطش ولم يفكر ابناؤها الذين في السلطة ان يقوموا بمد خط (مواسير) لها….وفي الجزيرة لا تزال النساء يمتن عند الولادة والملاريا تفتك بالاطفال ..يعني من الاخر ..نحن في السودان ينطبق علينا المثل المصري (لا تعايرني ولا أعايرك ..الهم طايلني وطايلك).
لا ادري من اين اتت قصة مشاركة السلطة هذه ..لكن في رأيي الخاص انها لم تات بذلك الخيرالذي نتوقعه الا على نفر قليل هم الذين يجلسون في الكراسي ويرتدون (القمصان والبنطلونات )..ليه ؟ لان ذلك الثوري المقاتل ما ان يجلس على الكرسي يتفاجأ بان الامر ليس بتلك السهولة التي تخيلها ..القانون يلزم كل الولايات بضخ كل الايرادات للخرطوم ..ومن ثم اعادة توزيعها ليس حسب انتاج كل ولاية ..ولكن حسب ما تقرره المجموعة الحاكمة ..وهذه الفكرة يمكنها ان تكون ذات نفع لو كانت البلاد وصلت قدر من التنمية المتوازية وصار الفرد السوادني في بحبوحة من العيش ..لكن ان تعيش الولايات في فقر مدقع وتتم مطالبتها بارسال كل ايراداتها للمركز ليقوم بصرفه على حسب رؤيته ..(كدا اووفر) ..هذا ظلم فادح ..تبعا لذلك يقوم البعض بحمل السلاح واعلان الثورة للمطالبة بالعدل والانصاف ..وتشتعل الحرب ..ومن ثم تجري المفاوضات ..وبدلا عن طلب التنمية المباشر للمنطقة وفرز الكيمان ..تتم المطالبة بالمزيد من الكراسي ..ويكبر المركز وتتوسع المشاركة ..ومن ثم تبدا منطقة اخرى في الاحتجاج ..وهكذا دواليك ..
لو كنت مكان الحركات المسلحة ..لطالبت الحكومة المركزية باعلان خطة تنموية عاجلة لكل المناطق الطرفية ..بامداد شوارع الاسفلت وانزال الشاحنات المبردة لتحمل المانجو والموز واللحوم وخيرات الغرب والشرق ويتم تصديرها واعطاء نسبة لا تقل عن 60 % للولاية (ست الجلد والرأس ) وتأخذ الحكومة المركزية ال40 %..لو كنت مكان الحركات المسلحة لطالبت ببناء المدارس في كل الولايات ..ولارجاع المراكز الصحية المؤهلة في كل البقاع ..لطالبت بمجانية التعليم وتوسيع غطاء التأمين الصحي ..و لطالبت باقامة المشاريع الضخمة في كل ولاية حسب مواردها وتدريب ابناء المنطقة للعمل فيها بدلا عن النزوح للخرطوم والهجرة للخارج.
لو كنت مكان الحركات المسلحة لطالبت بتعديل الدستور وتفعيل القوانين ..لكن في حالتي هذه ساكتفي بقول (بي دستوركم).
صحيفة الجريدة