(1)
قلنا في المقالين السابقين إنه ليس هناك خلاف بين دول حوض النيل الشرقي الثلاثة إثيوبيا ومصر والسودان في قيام سد النهضة الإثيوبي كي تستفيد اثيوبيا أقصى فائدة ممكنة من مواردها المائية المهولة، ولكن الخلاف في تفاصيل قيام هذا السد حيث ترى مصر والسودان أنه لابد من مراعاة حقوقهما الطبيعية والمكتسبة، المكتسبة هذه ترجع للسدود والخزانات وتوليد الطاقة والمصائد والذي منه في هذا النهر العظيم وهذا ما تجيزه كل الأعراف والقوانين الدولية ويحسن هنا ان نبدأ بالخلاف في الفلسفة التي تقوم عليها هذه الحقوق وقد يبدو للبعض ان هذا أمر انصرافي أمام نقاط الخلاف الآنية ولكنه في تقديرنا انه مهم لمعرفة العقلية التي تدير هذه الخلافات حتى نتمكن من معرفة نواياها غير المرئية الآن، فمصر والسودان
يريان أن هذه الحقوق حقوق طبيعية بدليل أن مجرى النيل من الهضبة الى البحر لم يقم أحد بصناعته إنما هو صنع إرادة المولى عز وجل خالق الأكوان صانع المزن ومهطل الغيث وما في مشكلة إذا قلت انه من صنع الطبيعة (ربنا يحاسب على النوايا ) إذن فالطبيعة هي التي كونت المطر وأنزلته وحددت مجراه وخلقت الناس وكل الكائنات القائمة على المجرى، فبالتالي لا يحق لأحد تغيير هذه الأوضاع إلا لمصلحة هؤلاء الناس وبقية الكائنات وأي حرمان لأي منها يعتبر تعديا على الطبيعة.
(2 )
إثيوبيا وكما جاء على لسان وزير خارجيتها في الأسبوع الماضي تقول ان الماء النازل في الهضبة ماؤها هي فقط لانه في حدودها الجغرافية وبالتالي يحق لها التحكم فيها أي من حقها ان توقف جريانها أي تعدم ذلك المجرى الطبيعي وكأنه لم يكن وبهذا ليس لأحد غيرها حقوق طبيعية في هذا النهر إنما هي كلها حقوق مكتسبة قابلة للتلاشي ومن يدري فربما غدا ستقول إنها امتيازات وليست حقوقا لا بل قد يصل الأمر الى أنها منة تفضلت بها . عليه يجب ألا نستبعد أن يأتي يوم وتقول إنها تريدها سلعة يمكنها استثمارها كما قالت تركيا ذات يوم للعراق وسوريا وهي بصدد إقامة سد أتاتورك العظيم، وبالمناسبة تركيا موجودة بقوة في سد النهضة
وهذه قضية أخرى . عزيزي القارئ قرب أضانك جاي خليني أديك السر دا (في مؤتمر النيل الذي انعقد في عنتبي عام 1995 قال رئيس الوفد الأثيوبي ان اثيوبيا يحق لها أن تبيع ماءها كما يبيع الآخرون بترولهم ) الكلام خليناه سر في هذه المرحلة من التحليل السياسي فأنساه حتى نعود إليه اذا أمد الله في الآجال . خطورة هذا المنطق ليس على مصر والسودان فقط إنما على شعوب داخل اثيوبيا نفسها فالهضبة التي تتجمع فيها مياه الاباي (النيل الأزرق) حيث بحيرة تانا تقع في جزء صغير من أثيوبيا وهو الجزء المتاخم للسودان فإذا ما تم تسليع الماء أي بيعه قد يأتي يوم وتقول فيه ان الماء مائي ونزل في أرضي ويجب أن يكون عائده لي وحدي ولن اقتسم عائده مع بقية الأقاليم والقوميات الأثيوبية لا سيما وان الدستور الأثيوبي الحالي يعطي حق تقرير المصير لكافة القوميات، فدائرة الأنانية عندما تضيق سوف تخنق صاحبها وهذه حكمة أخرى.
(3)
أقوى الحجج التي ترفعها أثيوبيا في وجه مصر والسودان أن سد النهضة ليس
الغرض منه مياه الري إنما هدفه الأوحد هو الكهرباء وانه سوف ينتج 6000 ستة آلاف ميغاوات تجعل اثيوبيا أكبر مصدر للكهرباء وسيكون أول المستفيدين من ذلك السودان لأنه الأقرب للسد حتى من كافة الأقاليم الاثيوبية لذلك سيكون سعره سعرا تفضيليا أي ستكون كهرباؤه هي الأرخص حتى مصر يمكنها الاستفادة من كهرباء السد لأنها الأرخص ولا تقارن بتكلفة الإنتاج في مصر . مصر والسودان لا يمانعان
من ذلك لا بل يتمنيانه كهرباء رخيصة ونظيفة لأنها من مصدر طبيعي فما فيش
أحسن من كدا . يلا يا أثيوبيا كم مليار متر مكعب من الماء يحتاجها السد لإنتاج الكمية المطلوبة وهذه مسألة علمية لا تحتاج لقومة وقعدة ؟ الكمية المطلوبه 10مليارات متر مكعب لا 11 مليار أخيرا رست على 14 مليارا أي هذا ما تمنته أثيوبيا منى. إذن على بركة الله يلا أشرعوا في سدكم ونحن معكم . لما رأت أثيوبيا حالة الضعف قد انتابت البلدين (عصلجت) وقالت إنها لا يمكن تعتمد على تصدير الكهرباء ولا يمكن لأحد ان يشتري منها كهرباء إذا كان إنتاجها متذبذبا وخاضعا لتقلبات هطول الأمطار فهي تريد يكون لديها احتياطي ماء لمقابلة السنوات التي تقل فيها الأمطار اي سنوات الجفاف . أها يا اثيوبيا كم تريدين من المياه لمقابلة النقص في كمية الأمطار ؟ 74 مليار متر مكعب . الكتراااابة , الشغل دا كتير خلاص , انه يعني يمكن لأثيوبيا ان تحجز كل الماء النازل منها دون أن تتعرض لأي غرق , هذه الكمية تعادل حصة مصر والسودان مجتمعتين في اتفاقية 1959 التي لا تعترف بها أثيوبيا إذن الشغلانة سياسية وليست فنية ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
(4 )
موضوع كمية المياه المحجوزة الآن قد تم تجاوزه ليس لأن مصر والسودان اقتنعتا بمطلب أثيوبيا بل على العكس تماما شكوكهما في النوايا الأثيوبية ازدادت ولكن تم التجاوز لأن الأمر أصبح أمرا واقعا، فاثيوبيا كما ذكرنا في المقال السابق استغلت ما يجري في البلدين وما يجري بينهما ففعلت فعلتها وأصبح الخلاف الحالي في الحتة دي في غاية الشكلانية وهو سنوات ملء السد . هذه مسألة بسيطة جدا في ثلاث سنوات في خمسة في سبعة في عشرة كلو ما فارق ففي النهاية يمكن الوصول
لاتفاق ويملأ السد الى أن يقول بس، لكن الخلاف الحقيقي هنا هو ما هو العمل إذا
توالت سنوات الجفاف ولمدة طويلة ؟ بعبارة أخرى إذا هطلت أمطار أقل من المعدل ولعدة سنوات متتالية فأصبح إنتاج الكمية المطلوبة من الكهرباء يحتاج الى حجز ماء أكثر وبالتالي يقل تصريف الخزان فيصبح الماء النازل لمصر والسودان أقل من المطلوب فما العمل ؟ وما هو عدد السنوات الذي يمكن أن يشكل هذه الخطورة؟ هذه النقطة المهمة التي لم يتم التوصل فيها لاتفاق ومع ذلك تريد اثيوبيا أن تشرع
في ملء السد كي تضع الناس أمام الأمر الواقع مرة ثانية.
(5 )
هذا النيل يعج بالحياة المائية من أسماك أشكال وألوان وتماسيح وأورال وصارقيل وطيور برمائية والذي منه وكلها مهمة لبعض لزوم التوازن البيئي وهي ثروة قائمة بذاتها وتستفيد منها مصر والسودان وبنسب متفاوتة وتحتاج لجريان مائي مستمر حتى لا تفنى إن شاء الله (سرسار) فقدرها المصريون بقدر معين فرفضت اثيوبيا تقدير المصريين
وعرضت نصفه فقط وهذه من نقاط الخلاف الهامة لأنها تؤثر في الماء المحجوز خلف السد فأثيويبا سوف تشرع في ملء السد قبل حسمها لأنها استمرأت وضع الآخرين أمام الأمر الواقع .بالمناسبة لم تجر أي دراسة بيئية لسد النهضة وهذا أمر في غاية الخطورة ترفضه كل القوانين الدولية لكن مصر والسودان لم ينتبها لهذا الأمر مع أنه يمكن يعطل حتى قيام السد واتفرج يا سلام وقبل نبرح محطة تأسيس الخلافات هذه لابد من الإشارة الى ما وردني مؤخرا من غرائب أخبار السد التي لا تنقضي حيث جاء , أن دراسة أثيوبية صدرت مؤخرا تقول إن السد يستحيل أن
ينتج 6000 ميغاوات من الكهرباء كما هو مخطط له، بل سيكون الناتج أقل من ذلك بكثير ولعل هذا ما قال به بروفيسور محمد الرشيد سيد أحمد قريش من قبل فإن كان ذلك كذلك فخموا وصروا لأن الكهرباء أكان ما كفت ناس البيت فعلى الجيران حرام ويجب ألا تغركم الميغاواتات التي تأتينا من اثيوبيا فهي مقابل بنزين تحمله القندرانات من ماركة الفيات المنتشرة في الشارع وهذه الميغاواتات تأتي يوم وتغيب يومين على حاجة أثيوبيا. على العموم لا نتمنى أبدا ان تكون كهرباء سد النهضة أقل
من المتوقع لان الفأس وقع في الرأس ولأن ذلك سيجعل هذا السد ليس للكهرباء وبالطبع ليس للزراعة إنما لحاجات تانية حامياني وأنا ما بفسر وإنت ما تقصر.
ونحن في خواتيم هذا المقال سمعنا ان الاتحاد الافريقي نجح في اقناع اثيوبيا لكي توجل بداية مل بحيرة السد الامر الذي كانت تصر عليه في يوليو وهذة بشارة خير. ومن جانبنا نقول ان هذا بشارة خير ولكن ..اه من لكن هذة
فخليكم معانا إن شاء الله.
صحيفة السوداني