الانتباهة اون لاين موقع اخباري شامل
تدور الآن مباراة عجيبة بين طرفين غريمين لدودين وأحد الطرفين قوامه عدد من أنصار النظام السابق أو علي وجه الدقة عدد من المنتمين ( للتنظيم ) وأجهزته الداخلية الذين يعتبرون من أهل الحل والعقد والسر والنجوى في الحلقات الداخلية الضيقة التي كانت تنتظم في تسلسل هرمي من القاعدة للقمة وللكثيرين منهم صفات أمنية رسمية أو شعبية وهم أصحاب الجلد والرأس وأهل العرس ويعتبرون في القائمة الأولي المميزة داخل النظام ولهم عضوية في الحزب وفي التنظيم أما الآخرين الذين يمثلون أغلبية عددية فكانوا يعتبرون في القائمة الثانية ولهم عضوية في الحزب فقط ( ولكنهم لا ينتمون للتنظيم القاصر علي أعضائه) ويعتبرون ضيوف في العرس وكان يستعان بهم عندما تجري انتخابات رئاسية أو برلمانية أو ولائية أو نقابية أو عندما تعقد مؤتمرات حزبية مرة واحدة كل عام أو عامين أو عند إقامة استقبالات واحتفالات فيها هتافات و (كواريك ) وتنتهي بالغناء والعرضة أو قل ( الرقيص ) ويستفاد من عدد من المنتمين للقائمة الثانية وتكليفهم ببعض المهام التشريعية أو التنفيذية أو أي مهام أخري في مختلف المستويات وفقاً لقدراتهم ومؤهلاتهم دون أن تكون لهم أي صلة مباشرة ( بالتنظيم ) الذي تصله عبر مصادره ومنسوبيه العاملين في مكاتب المعلومات تقارير عن أدائهم ودرجات ولائهم وان عدداً من المستقطبين والمؤلفة قلوبهم قد انخرطوا في النظام الحاكم بحكم الأمر الواقع لدوافع وطنية وعلي المستويات القاعدية والوسيطة انخرط الكثيرون لاستقطاب الدعم وتقديم الخدمات لمناطقهم ويوجد الانتهازيون أهل المصالح والمنافع الذين كان النظام الحاكم يتقاضي عمداً عن تجاوزاتهم ليكونوا بانكساراتهم تلك رهن إشارته وطوع بنانه وملكيين أكثر من الملك في اندفاعهم للدفاع عن النظام ليبقي وتستمر معه مصالحهم ومنافعهم . وبعد انطواء صفحة نظام الإنقاذ فان علاقة القائمة الثانية به قد انتهت لأنه لم يعد له وجود ولا علاقة لهم الآن بما يدور في كواليس (التنظيم ) لأنهم كانوا بعيدين عنها حتي عندما كان النظام الحاكم السابق قائماً ولا يدرون هل فعلاً يوجد الآن (تنظيم) موحد أم توجد مجموعات وشلل هنا وهناك ويتساءلون هل توجد الآن قيادة للحزب الحاكم السابق وقيادة أخري للتنظيم أم أن القيادة أضحت موحدة بعد انسحاب القائمة الثانية التي لم تكن لها عضوية في التنظيم أما السؤال المؤجل فهو عن مصير أموال التنظيم ومصير أموال الحزب الحاكم السابق ؟! .
وقد أضحي نظام الإنقاذ الحاكم السابق في ذمة التاريخ وأصبح تجربة سودانية ملكيتها لكل السودانيين سواء أكانوا حاكمين أو معارضين أو مراقبين يدورون مع الحق حيث دار بلا إصدار أحكام علي المواقف والأحداث قبل وقوعها تأييداً وتطبيلاً أو شتماً وتقريعاً . ولم تعد التجربة الإنقاذية ذات الثلاثين عاماً ملكاً أو حكراً لأحد أو لفئة وجماعة وجاء الآن دور العلماء والأكاديميين بمختلف تخصصاتهم وكافة الباحثين والمنقبين لفتح صفحاتها بكل ما لها وما عليها وتقييمها بحياد وتجرد لأخذ الدروس والعبر .
ويري عدد كبير من المنتمين للقائمة الأولي ( التنظيم ) إن الواقعية تقتضي أن يعمدوا في هذه المرحلة لإجراء مراجعات عامة لتجربتهم والقيام بعملية نقد ذاتي وبواقعيتهم فانهم يدركون أن أي مغامر في نفسه شهوة عارمة للسلطة يريد أن يسرق إسمهم ويخطط أو يقوم بحركة عسكرية انقلابية فان مصيرها الفشل الذريع والرفض الشعبي التام . وإن أي استغلال للأوضاع المعيشية المتردية والأزمات المتفاقمة والتصدي لقيادة المواكب والمظاهرات باسم التنظيم سيؤدي لنتائج عكسية وتقديم هدية في طبق من ذهب لهذه الحكومة المتفق علي ضعف أدائها التنفيذي وأنها ليست بقدر تحديات المرحلة العصيبة التي يمر بها الوطن وسيتحول الغضب الشعبي ويصبح ضد التنظيم إذا قاد مثل تلك المظاهرات ويؤدي هذا لامتصاص الاحتقان والغضب ضد غريمه اللدود وقد يردد البعض مقولة الأستاذ الطيب صالح الشهيرة في بدايات عهد الإنقاذ من أين جاء هؤلاء ؟ ولعل البعض يحورها ويردد من أين رجع هؤلاء ؟ وسيعيد البعض الهتاف ( كل كوز ندوسو دوس ) وبالطبع إن كل من يدينه القضاء إذا ثبت في ساحات العدالة والقانون أنه أجرم في حق الشعب بالقتل وإهدار الدماء أو انتهاك الحرمات والسرقة واللصوصية من المال العام فان عزله من العمل السياسي واجب وكل من لا يدان فإن من حقه أن يمارس عمله في مجال تخصصه ومهنته ولا يمكن بالهتافات أو بالفرمانات السلطانية حرمان البلد من كفاءات وخبرات وقدرات علماء وخبراء ومهنيين وعاملين في شتي الفئات والقطاعات ومن حقهم إن أرادوا أن يقيموا تنظيمهم السياسي وهذا حق دستوري وليس منحة يمتن بها أحد عليهم . ولكن العودة للحكم والسيطرة الآحادية والإمساك بكل مقابض المال والسلطة والجاه والقبضة الأمنية الفولاذية مع ترك هامش وبعض الفتات للمشاركين الديكوريين لن تعود مرة أخري ولكن من حق التنظيم أن يكون له وجود جزئي فاعل في الساحة السياسية السودانية ضمن الآخرين وعليهم أن يهيئوا أنفسهم للعمل الديمقراطي وخوض غماره مع الآخرين وتجربة الإنقاذ السابقة ذات الثلاثين عاماً سبقتها بدايات منذ خمسينات القرن الماضي وتمهيد لها منذ المشاركة في المصالحة الوطنية في عام 1977م مع تفكير وتدبير وسهر وعمل دؤوب والمضي في طريق وعر وانتهاج كل السبل والغاية عندهم كانت تبرر الوسيلة في أحوال كثيرة ومواقف عديدة ومع وجود تلك الخبرات الكثيرة وفي شتي المجالات ( حتي في مجال الدسائس والمؤامرات التي تخصص فيها بعضهم ) ومع وجود عقول ذكية وسواعد فتية إلا أن أخطاء النظام تراكمت والغرور السلطوي والعنجهية التي أصابته أدت لانهياره وهو بتلك الإمكانيات فهل يمكن أن يعود نفس النظام بقيادة مظاهرة أو موكب يخطط له في جلسات وقعدات ( ونسة ) وطق حنك !! وإعادة البناء يحتاج لجهود وتضحيات ضخمة وصبر طويل وعدم استعجال النتائج بدون مقدرات ومقومات … وأوضاع المواطنين المعيشية الآن في غاية السوء والأزمات متفاقمة وجنون الأسعار وفوضي الأسواق بسبب غياب الحكومة وإهمالها وعدم اكتراثها للأسعار التي ترتفع يومياً بل إن سعر السلعة الواحدة في مكان البيع الواحد يمكن أن يتغير في اليوم مرتين وبدأت الشكوى تشتد بسبب تزايد عدد حالات النشل والنشالين وكثرة السرقات واللصوص ويخشي الكثيرون أن تحدث عمليات سرقات منظمة في بيوت الآمنين واقتحامها بالأسلحة البيضاء وغيرها ( والجوع إذا اشتد وسط ذوى الإيمان الضعيف يتبعه انفلات الأمن ) . والمتوقع بعد توقيع اتفاقية جوبا أن يشهد الوطن عمليات قيصرية شاقة يدفع الوطن فيها ثمناً غالياً بسبب الصراعات المتوقعة في المحاصصات وتوزيع كيكة السلطة بين قحت والجبهة الثورية والحركات المسلحة والتيارات والكثيرون يتلهفون للسلطة كحال الظمآن الباحث عن الماء في البيداء . والاستعمار الجديد يتأهب للدخول عبر النوافذ بعد أن خرج بعد أربعة وستين عاماً عبر الباب ويسعي الخواجات ليظل الوطن في حالة وهن ليتسني لهم عبر الفتن التي يثيرونها عبر ولاياته وتياراته تقسيمه أو علي الأقل إضعافه كتمهيد لتلك الخطوة وهم طامعون في ثرواته الضخمة وموارده الهائلة ويدركون أنه مؤهل لأن يكون مارداً اقتصادياً ورقماً لا يستهان به إقليمياً ودولياً إذا إستقرت أوضاعه والحل في الخروج من حالة التوهان وانعدام الوزن التي يمر بها الوطن هو أن تلتقط القوات المسلحة الباسلة وكافة القوات النظامية قفاز التحدي وتمسك به وهي ليست مطالبة بقيام انقلاب عسكري فهذا مرفوض تماماً ( وكفانا انقلابات وما تبعها من انتهاكات لحقوق الإنسان وقمع للحريات خاصة في بدايات عهود الحكم التي تأتي بإنقلابات عسكرية ) ونأمل أن يهتف الفريق أول عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة والقائد العام للقوات المسلحة ( مدنياو مدنياو مدنياو ) ويعلن ألا بديل للحكومة المدنية إلا الحكومة المدنية مع التوافق مع الشعب بسند من القوات المسلحة علي تكوين حكومة مدنية انتقالية قوية من أفضل وأقوي الخبرات الوطنية الصلبة وأن تعمل بجد واجتهاد وتكون علي مسافة واحدة مع كل الأحزاب والقوى السياسية التي عليها أن تنصرف جميعاً لتنظيم نفسها وبغير حكومة كفاءات وخبرات وطنية قوية ستظل الأزمات باقية لا تراوح مكانها.
The post السودان: صديق البادي يكتب: الثلاثين من يونيو القادم والعودة المستحيلة!! appeared first on الانتباهة أون لاين.