غير مصنف

هل يعقل؟!!

الانتباهة اون لاين موقع اخباري شامل

أعلن قبل أيام عن وضع خطة لإعادة السودانيين العالقين بالخارج، وتم اعتماد الخطة بواسطة اللجنة العليا للطوارئ الصحية ومجلس الأمن والدفاع. تتلخص الخطة في إعادة عشرة آلاف عالق، على أن يتم إعادة ألف عالق كل أسبوعين (أي ألفين عالق في الشهر) لعدم توفر أماكن كافية للحجر الصحي، وسيستغل منتجع عصام الشيخ بتناوب الأفواج. أخص هنا العالقين بمصر لأنهم الأغلبية كما أن معظمهم ذهبوا إلى هناك مع مرافقيهم طلباً للاستشفاء الذي عجزت أن تقدمه لهم دولتهم التي ورثت نظاماً صحياً منهاراً لتصبح هذه الخطة الكارثة عقاباً آخراً يتحملونه نتيجة لسوء تقدير الجهات التي وضعت الخطة والتي اعتمدتها.
إن كان الذي “تفتق ذهنه” وقرر إعادة ألفين عالق في الشهر لا يدري هو ومن اعتمدوا خطته أن ذلك يعني إعادة بعض العالقين بعد 4 شهور والبعض الآخر بعد 5 شهور فتلك مصيبة، وإن كانوا يدرون ولا يهتمون فتلك مصيبة أعظم. كيف تتركونهم لشهورٍ أخرى وقد عانوا خلال الشهرين الماضيين ما عانوا من العوز والقهر والاهانة في مصر والتجاهل من حكومتهم وفيهم المرضى والعجزة والنساء والأطفال الذين تقطعت بهم السبل وبدأ البعض سؤال الناس!! فهل تريدون لهم التسول عند إشارات المرور في القاهرة كما يفعل بعض مواطني غرب إفريقيا الذين يمتهنون التسول عند إشاراتنا ونحتقرهم بسبب ذلك؟!!
من الواضح أن القرار بني على الخوف “منهم” لا الخوف “عليهم”، فهل هناك ما يبرر ذلك؟ مثل هذه القرارات الهامة تتخذ عقب التمحيص واستعراض البدائل المتاحة والاعتماد على المعلومات الإحصائية الموثوقة وتقييم الضرر المحتمل الناتج عن اتخاذها أو عن عدم اتخاذها، ولا تتخذ استجابة لرأي أو ضغوط المهرجين والناعقين. فحسب الإحصاء العالمي اليومي لجائحة كورونا حتى مساء الجمعة 29/5 فإن عدد المصابين في مصر هو 216 شخص لكل مليون من السكان (أي 2.16 مصاب لكل عشرة آلاف من السكان). ومن المفترض علمياً أن هذه النسبة تنطبق بشكل مقبول على السودانيين العالقين بمصر بحكم أنهم يعيشون بين المصريين في نفس الظروف ونفس البيئة واعتبارهم شريحة (عينة) ممثلة للمجتمع الذي تعيش فيه (مع أن الأرجح أن تكون نسبة الإصابة بين العالقين أقل من النسبة بين المصريين بسبب عزلتهم الطبيعية كغرباء كما أنهم ليس لديهم أقارب أو أصدقاء أو معارف يزورونهم أو يخالطونهم وليس لهم عمل أو مناسبات اجتماعية تحتم عليهم الاختلاط كأهل البلد). وباعتبار أن العالقين في مصر يمثلون أكثر من نصف العدد الكلي للعالقين بالخارج (العدد الكلي عشرة ألاف عالق) وأن نسبة 2.16 مصاب لكل عشرة آلاف عالق تنطبق أيضاً على العالقين في الدول الأخرى فإن عدد المصابين المحتملين بين جميع العالقين بالخارج هو 2.16 مصاب، أي حوالي شخصين فقط (لاحظ أن النسبة المئوية للمصابين حوالي 0.02% من مجموع العالقين ونسبة الأصحاء منهم 99.98%، النسبة المئوية للمصابين داخل السودان لا تختلف عن هذه النسبة، فعدد الإصابات حتى مساء الجمعة 29/5 هو 90 مصاب لكل مليون شخص بنسبة إصابة بين السكان حوالي 0.01% ونسبة الأصحاء 99.99%). للتشاؤم نفترض أن عدد المصابين ضعف العدد الإحصائي الفعلي فيكون عدد المصابين المتوقع بين الـعشرة آلاف عالق هو 4 مصابين (للمزيد من التشاؤم إذا اعتبرنا أن عدد المصابين في مصر 1000 وليس 216 مصاب لكل مليون من السكان (ربما في المدن) فإن عدد المصابين بين العشرة آلاف عالق هو 10 مصابين فقط). إحصائية وزارة الصحة السودانية تشير إلى أن عدد المصابين في السودان حتى مساء الجمعة 29/5 هو حوالي أربع آلاف وخمسمائة مصاب (الأرجح أن العدد الحقيقي يفوق ذلك كثيراً بسبب عدم التبليغ وإنكار المرض والخوف من “إشانة السمعة” واعتبار المرض “عيب” بواسطة المريض وأهله بالإضافة لضعف الإمكانيات المتوفرة للفحص). إذن ماذا يضير البلاد وبها هذا العدد الضخم من المصابين إذا انضمت إليهم 4 حالات فقط (بل قل 10 حالات) وذهبت هذه الحالات الأربعة للحجر الصحي في منازلها مثلما يفعل يومياً العشرات بل المئات من المصابين الفعليين المحليين والذين تطلب منهم نفس إدارة الأوبئة حين يتصلوا بها ـ إذا استجابت ـ أن يحجروا أنفسهم في منازلهم لعدم توفر الإمكانيات والأماكن الكافية لديها لحجرهم تحت إشرافها بسبب الزيادة الكبيرة في انتشار الوباء، فهل “كورونة مصر” تختلف عن “كورونة السودان” مما يستدعي حجر العالقين الأصحاء ويسمح للمصابين المحليين بالحجر في منازلهم؟ لماذا تريد الدولة أن تكلف نفسها ما لا طاقة لها به وتحجر مجموعة من الناس أكثر من 99.9% منهم أصحاء من المرض بكل ما يعنيه الحجر من مشاكل ومعاناة لهم ومشاكل للدولة هي في غنىً عنها بينما هي لا توفر الحجر للذين يحتاجونه فعلا من المصابين المحليين. أما كان من الأولى والأجدر أن يستغل المنتجع لهذه الحالات المصابة فعليا بدلاً عن العالقين الأصحاء؟
عدد كبير من العالقين بمصر ربما يفضلون العودة بالبر لقلة التكلفة، ولكن بافتراض أنهم جميعاً يمكنهم العودة جواً فإن الأمر لن يستغرق سوى أسبوعين فقط (وليس 5 شهور حسب الخطة) لترحيل عشرة آلاف شخص جواً (6 رحلات يومياً × 120 راكب × 14 يوم = 10080 راكب). ويمكن فحصهم فحصاً أولياً بالمطار واخذ عينات منهم للفحص المعملي لاحقاً مع تسجيل معلوماتهم الشخصية لإبلاغ لاحقاً من يتضح أنه مصاب ليعزل نفسه أو تحجره السلطات دون الحاجة لحجر الأصحاء وتعريضهم للإصابة أثناء الحجر.
إذا أصرت السلطات على تنفيذ خطتها أتوقع أن يحتج ويثور العائدون في الفوج الأول خلال أيام قليلة حين يكتشفوا سوء التنظيم (المتوقع) والاكتظاظ والأوضاع السيئة والبيئة غير المناسبة للحجر التي يصعب أن يتحملها الأصحاء ناهيك عن مرضى السرطان والكلى وأمراض القلب وغيرهم ممن ذهبوا للعلاج بالخارج، وربما تمردوا وغادروا المنتجع عنوةً وفشل البرنامج من البداية وبذلك تكون الحكومة قد قدمت ودون مبرر ــ وعلى طبقٍ من ذهب ــ إخفاقاً ينتظره المتربصون بها من داخل وخارج السلطة. لا أتصور أن تكون هناك مزرعة أو منتجع في السودان يتسع لألف شخص في آنٍ واحد دون أن يكون مكتظاً ومتكدساً بهم مع ازدحام كبير خاصةً على المنافع وهو ما يعني توفير بيئة مثالية لانتقال وباء الكورونا وتفشيه بين المحجورين إن كان بينهم مصاباً واحداً فقط، حيث سيصبح حينها المنتجع كارثة صحية بإصابة العشرات وربما المئات من الأصحاء خلال فترة الأسبوعين. كما لا ننسى أن هذا الاكتظاظ سينتج عنه اختلاط إجباري تهدر فيه خصوصية المحجورين وتعرضهم لمشاكل ومضايقات وبينهم عدد كبير من النساء وأطفال، كما أنوه إلى ما يقال عن أن المنتجع يتكون من “قطاطي” قد تعرض أمن وسلامة المحجورين لأخطار متنوعة بالإضافة لإمكانية تعرضهم لمخاطر الحرائق وهطول الأمطار والخريف على الأبواب.
أتمنى أن يعاد النظر في الخطة المقترحة ويعاد العالقون فوراً والسماح لهم بحجر أنفسهم في منازلهم كما يفعلوا بالمصابين محلياً، وأقول للحكومة إن فعلتم ذلك تكونوا جنبتم أنفسكم فتح جبهة جديدة عليكم و”كفيتم نفسكم شر القتال” الذي أنتم في غنىً عنه، وأن لا تأخذكم العزة بالإثم وتتمسكوا برأيكم، فالرجوع للحق فضيلة وأولى.
والله المستعان
النعمان بابكر
أستاذ بجامعة النيلين

The post هل يعقل؟!! appeared first on الانتباهة أون لاين.

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى