يُحدثنا التاريخ عن أنّ انشطار الأحزاب السودانية قد بدأ مُنذ أربعينيات القرن الماضي قبل الإستقلال وقبل أن تُمارِس هذه الأحزاب أي نوع من أنواع الحُكم ومُمارسة السياسة بعيداً عن التنظير ، لقد اختلفوا وانشطرت كياناتهم الحزبية قبل بداية المُباراة وأثناء تمارين الحمية وقبل دخولهم ميادين السياسة ، سُبحان الله لم يتحدّوا حتى يومنا هذا وما زالت الصراعات الداخلية تحول دون اتحادهم ، لم تجمعهم مصلحة السودان ولم تُمسِك بهم الوطنية (المزعومة) ولا حتى مصلحة الكيانات نفسها وقد أصبح التجانس والاستمرار كجسم واحد من سابع المُستحيلات ، كُل من خدمته الصُدفة وصعد منبراً للحديث في شأنٍ ما نصّب نفسه زعيماً لوحده وعليه أن يسعى للانسلاخ وتكوين حزب خاص به حتى تقزّمت الأحزاب وصارت عبارة عن شُلليات لا قيمة لها.
خرج علينا الأصم الشاب الصغير صاحب أعلى كاريزما وسط رفاقه في مؤتمر صحفي ليُذكرنا بارتباطهم بماضي الأحزاب الكئيب وبأنّ تجمع المهنيين أصبح ساحة للصراعات وفي طريقه للانشطار شأنه شأن الأحزاب السياسية السودانية من بداياتها ، والذي لا إله إلّا هو يا الأصم ما من مُتابع للشأن السياسي مُذ رحيل الإنقاذ إلّا ويُدرِك تماماً بأن التجمُع يمور بالصراعات ، وحالة الضمور والهزال التي أصابت جسده حدثتنا عن نفسها من قبل أن ينُط بعض رفاقكم في سرج الحُكم ويتنكروا لكُم وللثوار ، كُلنا يعلم حالة الاضطراب والإعياء الذي وضح جلياً بعد أفول شمس الإنقاذ وبزوغ فجر الثورة وقد كشفت شمسها عورات وقروح هذا الجسد والذي عوّل عليه الشعب السوداني لاتخاذه مطية يصلون بها إلى من سبقنا من الدول التي قيّض لها الله من أبناءها من يُقيل عثرتها وينهض بها من كبوتها.
صمتكم المُريب طيلة هذه الشهور انعكس سلباً على آداء الحكومة الانتقالية وقد بدأت عرجاء في مشيتها منذ البدايات وكأنها مُصابة بشلل أطفال لم يُعالج في حينه وما من أمل في الشفاء والمتوقع أن تُصبِح كسيحة لا تتحرك إلّا بكرسي المُساعدات الخارجية ، لا نشُك مُطلقاً في أنّ المؤتمر الصحفي المُشار إليه لا علاقة له ألبتة بُمعالجة سلبيات ما مضى ولا لتصحيح المسار ودعم الحكومة (المُنهكة) إنّما هو صراع داخلي بين من ضمتهم الوزارات وشغلتهم الوظائف القيادية بزينتها وبهرجتها وبين من لمع نجمهم في بدايات الثورة وغابت شمسهم قبل مغيب شمس العام الأول من الثورة ، خلاف لا علاقة للثورة ولا الثوار به.
غداً ننتظر مؤتمراً صحفياً ينفي فيه الطرف الآخر عن نفسه التُهم ويكيل فيه الاتهامات للأصم ومجموعته وربما ذهب الطرف المُشارِك في الحكومة لأبعد من ذلك واتهم الدولة العميقة في أنها السبب الرئيس في الخلافات ، ولا أنا غلطان يا لجان التفكيك.
وهكذا تدور دائرة السياسة الخبيثة في بلادنا وكان الله في عون أهلها.
صحيفة الجريدة