(1)
جائحة الكورونا التي بدأت في مطلع مارس الماضي ملأت الدينا وشغلت
الحكومات والدول والمجتمعات , حتى الدول التي مستها مساً خفيفا غرقت في
لجتها فالفكرة المسيطرة أنها لن تستثني أحدا في الكرة الأرضية . نحن في السودان غشيتنا الجائحة ونحن في أعلى مراحل التوهان والمغالبة إذ كنا ومازلنا نمر بفترة انتقال بين عهدين , عهد ثبت عدم صلاحيته، وعهد جديد تتجاذبه الأهواء والتقلبات.
هذا من ناحية سياسية أما اقتصاديا فكانت حالنا قبل الكورونا أكثر توهانا من حالنا السياسي فأضحت الجائحة بمناسبة (النعمة ) لأنها لفقت قضايانا مع قضايا بقية الدنيا، والموت مع الجماعة عيد وفي رواية أخرى عرس , فكان احتمال حظر وإغلاق الكورونا القاسي (ما اصلنا نحن محظورين أكان بالعدم او بالفلس) بيد أن الكورونا أفرزت مشاكلها التي تم تسييسها تلقائيا لأننا أصلا غارقين في السياسة لشوشتنا
وهذه من أكبر مصائبنا، فانبرى دكتور أكرم وزير الصحة يقاتل كالسيف وحده
(بالصاح أو الكضب) فلولا وجوده في تلك الأيام لخيل إلينا ان الحكومة كلها منومة في مستشفى العزل بجبرة وممنوعة من الاقتراب أو التصوير ولو كنت مكان الحكومة لسجلت صوت شكر لأكرم لأنه كان الوحيد الذي يدل على وجودها . كونت الحكومة لجنة عليا لإدارة الأزمة برئاسة العضو السيادي البروف صديق تاور فدخلت اللجنة في مناكفة مع أكرم فأصبح للحكومة جبهتان كورونيتان فكانت السودنة والبشتنة فالسيد حمدوك أقر بوجود أخطاء في إدارة أزمة الكورونا وقبله الفريق حميدتي قال بنفس الشيء و(كله في التلفزيون).
(2 )
بما أن الكورونا حتما الى زوال او على الأقل الى انزواء من الواجهة، فالعالم كله قد ملها فأصبحت في طريقها الى أن تصبح مرضا ضمن (باقة) أمراض
العصر (تقتل البتقتله وتخلي البتخليه) أي وبلغة الدلع (مناعة القطيع )وبالطبع
انعكس هذا علينا في السودان فأخذنا نستشرف مرحلة ما بعد الكورونا وبالتالي توجب على الحكومة أن تظهر وتبان دون ان يكون عليها أمان فحمولتها كانت ثقيلة لان لديها أحمال ما قبل الكورونا (صفوف وصفوف) ثم أحمال الكورونا ثم أحمال ما بعد الكورونا من موسم زراعي أطل بشكواه الكبيرة ودموعه المنهمرة وفي
الطريق مواسم دراسية وعيد الضحية وتجاذبات مصرية / أثيوبية ورفع دعم مع مرتبات البدوي الجديدة وبعثة دولية وتشقق في حاضنة الحكومة المدنية وتشقق في الجبهة العسكرية وأصوات قوية تنادي بشيء من التغيير .
(3 )
أمام كل هذه التحديات المشار اليها أعلاه كان بالضرورة ان تراهن الحكومة على
قدرتها على مجابهتها لأنه أمام الحكومة كما يردد السيد رئيس الوزراء خيارين
فقط هما ان تنجح أو تنجح فاي خيار غير ذلك سوف يودي بها بالتالي يخسف
بالفترة الانتقالية ويلحق البلاد أمات طه واستشعارا من الحكومة بذلك التحدي
خرجت من صمتها وبدأت حملة إعلامية استباقية قوية ابتدرها رئيس الوزراء بلقاء مع بعض قادة الصحافة في البلاد يوم الخميس قبل الماضي ثم لقاء صحفي للجنة الطوارئ العليا قاده الأستاذ فيصل محمد صالح مساء الأربعاء ثم لقاء رئيس الوزراء مساء الخميس الذي نقلته كل القنوات السودانية أجراه الاستاذ شوقي عبد العزيز ثم لقاء صحفي مطول لرئيس الوزراء مع صحيفة الشرق الأوسط نقلته معظم الصحف السودانية وفي كل هذه اللقاءات أوضح رئيس الوزراء أنهم كحكومة ليسوا نائمين على العسل وأنهم يدركون الواقع ورفع راية التحدي بأنهم كحكومة سوف يعبرون بالبلاد . الواضح ان مهمة هذه اللقاءات هي اثبات ان الحكومة تعمل وفقا للتحديات الماثلة وبالتالي يجب الثقة بها أما لقاء الوزير فيصل فقد أوضح فيه
قادة العمل بالدولة أنهم ما قاعدين ساكت وقد أجاب فيصل على أسئلة قوية إجابات في تقديري أنها كانت مقنعة.
(4 )
الواضح من الفقرة أعلاه وبالركون للتحليل السياسي يمكننا القول إن الحكومة قررت ان تخرج للشعب فطالما انه لا يوجد مجلس تشريعي رقابي أصبح الدور موكولا لوسائط الإعلام المؤسسي التي تغذي وسائط الإعلام الاجتماعي او ربما تمثلت الحكومة قول المتنبئ (لا خيل عندك تهديها ولا مال فليسعد النطق إن لم يسعد الحال) او ربما رأت الحكومة ان ( الضائقة ما بتكتل بيكتل سكات الحكومة ) , أو
كما يقول المثل السوداني الكلمة الطيبة بخور الباطن فسياسة أضان الحامل طرشا التي كانت تمارسها الحكومة حتى ولو بسبب جائحة الكورونا لم تعد مقبولة ناهيك عن أنها سوف تحدث فراغا يملأه البوم البحب الخراب . ومع ذلك دعونا ندعو أو نأمل او حتى نظن أن ما قامت به الحكومة من حملة إعلامية ليست غاية في حد ذاتها إنما بداية لمرحلة جديدة مرحلة تدق الحكومة فيها صدرها وتعلن أنها المسؤولة وأنها ستكون على قدر التحدي او تسقط دونه، فهذه الحملة الإعلامية التي كانت في تقديري ضرورية سلاح ذو حدين فإما ان تجد الحكومة وتعمل وتبقى على قدر كلمتها أو تقيف
عند حدود الكلام وساعتها لن يصبر الشعب عليها فأمامها خياران إما أن تعمل أو تعمل كي تنجح أو تنجح أو سيكون مصيرها مصير من قبلها فلو دامت لغيرها لما وصلت اليها . الحكومة كي تعمل محتاجة للبرنامج الواضح المبسط الذي سوف يلتف حوله الشعب محتاجة لتقوية نفسها بإزالة العناصر الرخوة منها محتاجة لوحدة الصف والكلمة محتاجة للانصراف عن الهيافات التي يجرها اليها البعض
. هناك الكثير من المعطيات التي تساعد الحكومة على أن تكون على قدر كلمتها على رأسها تطلع هذا العشب لحياة أفضل وحكومة ذات إنجازات، ثانيا المناخ الديمقراطي السائد الآن والذي حرر الشعب وجعل كلمته مسموعة ووفر المناخ الصحي للمشاركة في
كل شيء أما موارد البلاد الاقتصادية فلا تحتاج الى كلام إنما لدفرة فقط فهي على الهبشة . يلا يا حكومة ورينا،، فالحكومة يربطوها من لسانها.
صحيفة السوداني