* بغض النظر عن أسباب ضيق المعيشة وارتفاع الاسعار فإن الحكومة هي المسؤول الأول والأخير عن التصحيح والاصلاح، ومن المفترض ان يكون لديها أكثر من خطة لمعالجة المشاكل مع الشفافية الكاملة في تمليك الحقائق للجماهير حتى تؤدي الدور المطلوب منها في تجاوز الاوقات الصعبة.
* معلوم أن الحكومة ورثت أوضاعاً في غاية السوء من النظام البائد الذي دمر ونهب وسرق وأفسد ولم يترك شيئا وراءه غير السوء والخراب، لا بنية تحتية، لا مشاريع إنتاجية، لا انتاج محلي، لا صادرات، لا احتياطي نقدي، لا موارد، لا إمكانية لطلب قروض او معونات، ولا شيء على الاطلاق.
* كل هذا معروف ومقدر، ولقد ارتضى المواطن أن يتعايش مع الأوضاع الصعبة وغلاء المعيشة الطاحن والأسعار الفاحشة والجشع والندرة القاتلة والصفوف الطويلة والحرمان من الكسب بسبب الاغلاق الاقتصادي وحظر التجوال، ولكن لا يعني هذا أن تضع الحكومة يدها على خدها وتنتظر الفرج ليأتيها من السماء أو تمد يدها لشيوخ الخليج السعودية أعطوها أو منحوها !
* قلت أكثر من مرة، عبر هذه المساحة وفي اللقاءات المباشرة مع المسؤولين والسياسيين بأن الحكومة يجب أن تكون جريئة ولديها الشجاعة في اتخاذ القرار في كافة المجالات سواء الداخلية، او التي لها امتدادات خارجية وارتباط بالعالم الخارجي، واقترحت في المجال الاقتصادي الرفع الفوري للدعم عن البنزين الذى يباع بتراب القروش ولا تستفيد منه الا قلة ضئيلة جداً، وتوجيه ما يتوفر من ايرادات لدعم السلع الضرورية كالجازولين الذي يعتبر الدينامو المحرك للزارعة والنقل والترحيل، على أن يُرفع الدعم تدريجياً عن بقية السلع ورفع الوعي الشعبي خلال هذه المرحلة لترشيد الاستهلاك وتوفير الامكانيات المتاحة للأشياء الضرورية، ومخاطبة الجماهير بالقضايا الملحة بأسلوب بسيط ومباشر وتمليكها المعلومات الضرورية حتى تساهم في تخطي الأزمة!
* وكان المواطن ولا يزال على استعداد لفهم وتقبل رفع الدعم، خاصة مع التأييد الشعبي الذى يحيط به الحكومة، والإجراءات المالية الأخيرة التي استفاد منها العاملون في القطاع العام، ويتوقع أن تنسحب على العاملين في القطاع الخاص في أقرب وقت بعد التفاهمات التي أجرتها الحكومة مع اتحاد أصحاب العمل أو من ينوب عنه في الوقت الراهن، ما يعنى ارتفاع القدرة المالية لقطاع كبير من المواطنين، الأمر الذى يستدعى اتخاذ إجراءات اقتصادية جديدة وجريئة تساعد في تنشيط حركة الاقتصاد وكسب ثقة الدول والمؤسسات المالية العالمية واقتناعها بجدية الحكومة في تصحيح مسيرة الاقتصاد السوداني فتسعى للتعاون معها، وعلى رأس هذه المعالجات رفع الدعم عن البنزين خاصة ان كل المؤشرات العالمية تنبئ بارتفاع اسعاره بعد تخفيف القيود الاقتصادية التي فرضتها الكورونا، وبما ان الحكومة قد رفعت سعر رغيف الخبز فمن باب أولى أن ترفع سعر البنزين حتى تستفيد من عائداته بشكل افضل، أو تبيعه بالسعر الحقيقي على الأقل ولا تخسر من بيعه بسعر بخس!
* لقد ظلت الحكومة تتجاهل الدعوة لرفع الدعم رغم انها تعلم تمام العلم انه الحل الوحيد المتاح حالياً لتوفير الايرادات، ورغم العدد الكبير من الخبراء الاقتصاديين الذين استعانت بهم وزارة المالية من الداخل والخارج لوضع الخطط والبرامج الإسعافي في المجال الاقتصادي وهم على قدر كبير من الخبرة والكفاءة، واتفقوا جميعهم على رفع الدعم كحل عاجل للأزمة، واخص منهم بالذكر الدكتور (عبد المحسن مصطفى صالح) رئيس لجنة الميزانية والاستاذ السابق بكلية الاقتصاد بجامعة الخرطوم، الذي كان الدينامو المحرك لوزارة الاقتصاد والتخطيط السعودية طيلة السنوات العشرين السابقة، ولم يكن أي وزير او مسؤول سعودي يخطو خطوة واحدة بدون استشارته وأخذ رأيه، فأين ذهبت آراء وخطط وبرامج هذه النخبة المميزة، وإذا كانت وزارة المالية لا تأخذ بمقترحاتهم وآرائهم فلماذا استعانت بهم وشغلتهم عن أعمالهم وأضاعت وقتهم وأهدرت طاقاتهم، ثم ضربت بنصائحهم عرض الحائط؟!
* لقد حان الوقت كي تتخلى الحكومة عن التردد والخوف والخشية من اتخاذ القرارات الصعبة، وترتقى الى صمود الشعب وصبره على المعاناة الصعبة، واستعداده لتحمل المزيد في سبيل حماية ثورته والسير بها للأمام!
صحيفة الجريدة