الهندسة تُنقذ الأرواح.. ابتكار سوداني يخترق حدود الطب

في زاوية غير متوقعة من تقاطع الطب والهندسة، نجح المهندس السوداني شرف الدين عيسى خلف الله، المتخصص في أنظمة التحكم، في تنفيذ تجربة فريدة من نوعها في السودان، حيث طوّر نظامًا ذكيًا يحاكي وظيفة البنكرياس لدى مرضى السكري من النوع الأول، باستخدام نظام AAPS مفتوح المصدر، ما يُعد نقلة نوعية في الرعاية الصحية منخفضة التكلفة.

الراي السوداني ـ بهاء  الدين عيسى

من فكرة إلى واقع

بدأت القصة بفكرة بسيطة، لكنها لم تكن عادية. وسط بيئة تعاني من ضعف البنية التحتية الصحية، وارتفاع أسعار الأجهزة الطبية، وانقطاع الكهرباء، قرر المهندس شرف الدين أن يكون جزءًا من الحل، لا مجرد مشاهد للمعاناة.

استثمر معارفه كمهندس كهربائي متخصص في التحكم التلقائي، لابتكار نظام متكامل يضبط ضخ الأنسولين تلقائيًا لحظة بلحظة، عبر التكامل بين مضخة Omnipod DASH، ومستشعر Libre 2، وتطبيقات AAPS على الهاتف الذكي. والنتيجة؟ محاكاة حية للبنكرياس البشري تعمل بدقة في بيئة تفتقر لأبسط مقومات الدعم الطبي.

أهمية الابتكار في بيئة محدودة الموارد

تكمن أهمية هذه التجربة في قدرتها على تحقيق نتائج تضاهي الأنظمة التجارية المغلقة باهظة الثمن، لكن باستخدام أدوات وتقنيات مفتوحة المصدر. وهو ما يفتح الباب أمام آلاف المرضى في السودان والدول النامية للحصول على رعاية ذكية ومتواصلة، دون الاعتماد الكامل على الخارج.

ويقول شرف الدين لـ “منصة الراي السوداني “: “ما قمت به ليس مجرد مشروع هندسي، بل رسالة إنسانية. هذه الأنظمة ليست حكرًا على الأغنياء أو على الغرب، بل يمكن أن تتجذر في بيئتنا، إذا ما تضافرت المعرفة مع الإرادة.”

المهندس.. شريك في العلاج

رغم أنه ليس طبيبًا، إلا أن الدور الذي لعبه شرف الدين كان محوريًا. فقد تولى تصميم وضبط النظام، ودمج مكوناته بدقة عالية، وتدريب المستخدم ومتابعة الأداء على مدى أسابيع لضمان السلامة والفعالية.

“الطبيب يضع الخطة العلاجية، لكن المهندس هو من يجعل هذه الخطة تعمل على مدار الساعة”، يوضح شرف الدين، داعيًا إلى تخصيص دور رسمي للمهندسين ضمن فرق رعاية السكري.

نداء إلى الدولة والمجتمع الدولي

في رسالة مفتوحة وجهها إلى القيادات الصحية والجهات الدولية، طالب شرف الدين بدعم المبادرات التقنية المحلية، وتبني الأنظمة مفتوحة المصدر كجزء من السياسات العلاجية، قائلًا: أحتاج إلى دعم تقني، ولوجستي، ومعنوي لتوسيع التجربة. نحن لا نطلب صدقة، بل نمنح العالم نموذجًا لحل واقعي وفعّال، خرج من قلب التحديات.”

كما دعا المجتمع الدولي إلى النظر للسودان كـ “مركز ابتكار رغم الأزمات”، مشددًا على أن الذكاء المحلي حين يُمنح الثقة يمكن أن يحدث فرقًا حقيقيًا.

نحو منظومة سودانية ذكية

اليوم، وبعد نجاح التجربة، يطمح شرف الدين إلى إنشاء برنامج تدريبي ينقل المعرفة التقنية إلى مزيد من الأسر، وبناء منظومة علاج ذكية، سودانية المنشأ، إنسانية الأثر، وفعّالة الأداء.

إنها قصة فكرة، تحولت إلى إنجاز.

قصة مهندس لم يرضَ بأن يراقب الألم، فقرر أن يصنع الأمل.