لعل الأهم والأكثر ظهوراً في فضاءات السودان خلال حرب 15/ابريل التي أعقبت سنوات عجاف، أشخاص وقضايا وموضوعات، رافقت القضية الوطنية في إطار عملية ردع العدوان، حتى حققت حضور في أغلب مساحة الجغرافيا والأكثرية العددية من السودانيين ، ومنها الحاج “حماد عبدالله حماد” من الدندر.
منذ الأسابيع الأولى من حرب 15/أبريل ، بدا واضحاً أن الحرب ليست في مركز القرار السياسي (الخرطوم) وليست في مواجهة الجيش السوداني فقط، حيث طاردت المليشيات السودانيين في عقر دورهم وسقط الآلاف من الضحايا، وغاصت ألوف البشر، وغاصت سمعة السودان في الوحل، من أجل تحقيق انتصار كاذب في أسوأ هزيمة عرفتها المليشيات التي تقاتل بالوكالة، بين جحيم القهر والنزوح ، ظهر الحاج “حماد عبدالله حماد” ليعبر عما تجيش به صدور السودانيين.
لم يستحي العالم وهو يبسط أمامه لائحة القتل اليومي في السودان، جرائم الإبادة الجماعية، تهجير المدنيين واغتصاب النساء ، لذلك ليس من المنطق أن يستحي الرئيس “البرهان” من لقاء الحاج “حماد” ، لو كنت مكان “البرهان” لقلت للمجتمع الدولي المتواطئ وتحديداً دولة الشر :(حماد عبدالله حماد ليوم القيامة).
أمّا رافضو تحايا الرئيس “البرهان” للحاج “حماد” هم المُصرّون على ادلجة النظام الحاكم ، وتحويل القضية الوجودية في معركة الكرامة الى مشروع أحادي متعالي، هم النخبة التي تعيش الآن ردة مفاهيمية محبطة ، جموع المثقفين المختبئين خلف بندقية “المليشيات” الحليفة والمتمردة ، بعد أن استبد بهم اليأس من الروافع القديمة التي كانت تحملهم على الأعناق إلى السلطة.
من انتقدوا الرئيس “البرهان” خلال زيارة “الدندر” هم تلك المجموعات التي تعيش أشد أنواع الغربة مرارةً هو الانفصال التام عن الواقع المتغير بسرعة الحرب المدمرة، تلك الجماعات “الدوغمائية” التي غالباً تُرحب بالاختلافات التي لا تهدد مصالحها أو قناعتها، لكنها تقاوم كل ظاهرة تحمل رؤية أو سردية بديلة، أي انها تطلب منك أن تكون مختلفاً على طريقتها.لا على طريقتك، تسمح لك بالوجود، بشرط ألا تُزعج التوازن القائم، أو تفكر وتتصرف خارج الإطار المرسوم.
الحروب والكوارث تهز الأفكار والقناعات ، وتحدث تغييراً في منظومة القيم ، ناهيك عن الألم الاستثنائيّ الذي أنزلته حرب 15/أبريل بالسودانيين ومعه المهانات والخسارات، أقلها أن يٌظلم معظم السودان، بسبب استهداف المسيرات الميليشياوية الإماراتية لمنشآت الكهرباء ،هذه كلّها تأمر بإلحاح الانتقال من صمت إلى صراخ لا يحتمل إعادة تدوير المفردات النخبوية.
وسط القهر والتحدّيات، لم تعد شعارات النخبة مقنعة لأحد.
محبتي واحترامي